معراج لذة القرب الإلهي، ج / 8
وجدتك أهلًا للعبادة؛ فعبدتك!
«ق/ 3»
يُحاول بعض الأكاديميين، في درس العقيدة، أن يوصل رسالة إلى طلابه؛ مفادها: أنّ القوة البشرية لا تقوى ولا يمكن أن تصل إلى مقام ”وجدتك أهلًا للعبادة؛ فعبدتك!“ [1] فإنّ الإنسان «المخلوق» - تريد تلك الرسالة أن تقول -: ليس هذا من خصائصه وشأنه، وبالتالي؛ فإن هذا الكلام باطل، وليس سوى ادعاء ومقالة صوفية؛ لا أكثر! ولا يوجد، لتلك الرسالة، مصداق! [2]
لكنّنا قد وجدنا أنّ السيد الإمام - قدِّس سره - حين طرح هذا السؤال المهم، وهو في الثمانين من عمره، قد وجد المصداق! - كما سنعرف نعرف - ووجد الجواب على قوله: ”فارفعوا الجنة من ثواب الأعمال ولا حظوا من الذي يبقى يعبد؟“
نعم، فقد وجد السيد الإمام أنّ الإمام علي - صلوات الله وسلامه عليه - هو الذي يبقى يعبد الله!
ولهذا قال: ”عليٌ يبقى وحوض علي، علي الذي: -“ عشق العبادة وعانقها ”؛ فالعبادة من أجل الجنة غير مطروحة بالنسبة للذي غض الطرف عن نفسه وهجرها وخرج من هذا البيت، ووصل إلى مرحلة“ الموت ”فلم تعد اللذات مطروحة بالنسبة له أصلًا، وعنده الجنة والنار والجميع على حدّ سواء: - [علي]“ أثنى على ذات الله تعالى ”، أثنى على الله إذ وجده أهلًا لأن يعبده، وهذه مرتبة من مراتبهم؛ وهي أن يجد عاشق العبادة أنّه أهلًا للعبودية وأن يعبد المعبود؛ وهناك مراتب أخرى أيضًا هي فوق ما نتصور نحن.“ [3]
ولا أجدني مضطرًا، الآن، لاستجلاب النص الديني، والشاهد التاريخي للتدليل على مناسبة الحكم للموضوع، والتي هي شاهدة لعلِّي - - بالصحة في ذلك، وكذلك لأهل البيت - - نعم؛ في بعض الحلقات، سوف نشير إلى بعض الدليل والنص الديني، والشاهد التاريخي حول ذلك.
وسوف يأتي في حلقة لاحقة - إن شاء الله - «من هم المتحققون بالعبودية المطلقة»؟!
أقول: حقًا؛ إنَّهُ أمر يثير الإعجاب أن يطرح السيد الإمام - قدِّس سره - وهو في الثمانين من عمره، وهو المنتصر، ”على الشاه عميل الصهيونية العالمية“، نفس الفكرة، ونفس الفكر في محاضراته المعرفية، في شرح البسملة بعد أن طرح الفكرة، سابقًا، في كتابه «الأربعون حديثًا» قبل أربعين عامًا! وبنفس الهم والهدف المتوخاة من ذلك، حيث ”إنّ الهدف الأول والأخير هو السير إلى الله سبحانه، وعدم الاغترار بزخارف الدنيا، فإنّ ﴿مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ﴾ سورة القصص، 60“ [5]
ذلك أن الإنسان حسب الرؤية القرآنية - كما يقول الشهيد مطهري - قدِّس سره - ”الإنسان في القرآن موجود لا يستطيع أحد أن يمنحه السعادة سوى الله، وبمعنى آخر [يقول الشهيد مطهري:] فإن الإنسان موجود مخلوق لا يستطيع أحدٌ أن يملأ حاجته للسعادة، ويمنحه الرضا الكامل، ويشبعه سوى الذات الإلهية ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ الرعد، 28.“ [6]
يعلق الشهيد مطهري، على هذه الآية، قائلًا: ”وهذا من عجائب التعبير القرآني ومعاجزه.. حيث ذُكر هنا أمرٌ إثباتي، وهو أن قلوبهم تطمئن بذكر الله، وتطمئن قلوب أناس آخرين بذكر أشياء أخرى، ولكن القرآن ينفي تلك الأشياء الأخرى.“ [7] .
وللتوضيح؛ يقول الشهيد مطهري - قدِّس سره - ”ف“ ألا ”[في الآية] جاءت؛ لتنبّه، وتحذّر، ولتُعلن خبرًا مهمًّا، وكلمة“ بذكر الله ”جاءت متقدمة، وهي بتعبير الأدباء“ تقديم ما هو حقّهُ التأخير؛ يفيد الحصر ”؛ لأن القاعدة، في اللغة العربية، أن يأتي ما يتعلق بالفعل، والجار والمجرور، بعد الفعل، وبناء على هذا، [يقول الشهيد مطهري:] فإن معنى الجملة هو: إنّ اطمئنان القلوب يحصل فقط بذكر الله، ونسيان ما عدا ذلك، وأن الله هو الذي يمنح الاطمئنان للقلب، وكل الأشياء الأخرى إنما هي مقدمات، أي أنها أول الطريق وليس نهايته، ولذلك فإن العبادة هي كذلك حيث يقول الله في القرآن ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ طه، 14. فالهدف هو الذكر.. ويقول ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾ العنكبوت، 45. حيث يذكر هنا خصوصية الصلاة، ثم يوضّح أهدافها ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ العنكبوت، 45.“ [8]
ذلك أن " حكمة الصلاة [كما يقول الخاقاني] الخضوع له، سبحانه، كما في قوله تعالى:
﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ طه، 14. ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾ العنكبوت، 45. كل ذلك يعطيك القوة والطمأنينة. " [9]
كما يقول الخاقاني - التي يستمدها الإنسان المؤمن السالك من الذات القدسية، والعظمة الربوبية، وما القوة والطمأنينة إلّا إحدى عطايا الصلاة وبركاتها العظيمة؛ ذلك أنّ ”أهم مصاديق الخضوع والتّذلل إلى تلك العظمة والذات القدسية؛ هو التحلي بصفة الصلاة، وأفعالها، مع تمامية شروطها وأجزائها، حتى تكون للمكلّف قربان كلّ تقي؛ تقربه إلى الله، وتبعده عن مفاتن الحياة وشهواتها.“ [10]
وهذا على خلاف حال المنافقين الذين يقومون للصلاة وهم كسالى، حيث يعتبر هذا الوصف أحد أوصافهم الكثيرة، فالحقيقة هي أنّ المنافقين - كما وصفهم الله - جلّ جلاله - ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ سورة النساء، 142.
وهنا يعلق العلامة الطباطبائي - قدِّس سره - على هذه الآية قائلًا: [إنّ] ”هذا وصف آخر من أوصافهم؛ وهو القيام إلى الصلاة - إذا قاموا إليها - كسالى يراءون الناس، والصلاة [كما لا يخفى] أفضل عبادة يذكر فيها الله، ولو كانت قلوبهم متعلقة بربهم مؤمنة به لم يأخذهم الكسل والتواني في التوجه إليه وذكره، ولم يعملوا عملهم لمراءة الناس، واذكروا الله تعالى كثيرًا على ما هو شأن تعلق القلب واشتغال البال.“ [11]
فالظواهر متشابهة في أداء الصلاة؛ أما الذي يرفع الصلاة - كما يقول السيد الإمام - قدِّس سره - ”فهي الروح“ فإنّه ”حسب الظاهر فإن الفرق بين المشرك وغير المشرك هو في عبادة الأصنام؛ فالأول يعبد الأصنام، والثاني لا يعبدها، وله أذكار وأوراد تتشابه ظواهرها، [فعلى سبيل المثال، كما يقول السيد الإمام:]“ أبو سفيان كان يصلي ومعاوية كان يأم صلاة الجماعة، [فإنّ] الظواهر متشابهة، أما الذي يرفع الصلاة فهي الروح تنفخ في الصلاة، فإذا وُجدت هذه الروح ارتفعت الصلاة وأصبحت إلهية؛ وبدون ذلك تكون [مجرّد] عبادة من أجل النفس، وهذا هو حالنا جميعًا؛ فلا نخادع بعضنا البعض. " [12]
وإذًا؛ ”فحقيقة العبادة: هي الغرض الأقصى من الخلقة؛ وهي أن ينقطع العبد عن نفسه وعن كل شيء ويذكر ربه.“ [13]
فالحقيقة هي أنّ ”الصلاة قبس متأجج، وشعلة حمراء، تنير السالك، وتهدي المسترشد.“ [14] ، كما يقول الخاقاني - حيث ”إنّ الصلاة بمعنى الدعاء، كما يراه اللغويون، وهي الصِّلة والارتباط مع الله، بحيث توجد الصِّلة وثيقة معه سبحانه.“ [15] ،
ولذلك يرى العلامة الطباطبائي - قدِّس سره - عند تفسير قول الله - جلّ جلاله - ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ الذاريات / 56
”أنّ نفس العبادة؛ بمعنى ما يأتي به العبد من الأعمال بالجوارح من قيام وركوع وسجود ونحوها غرض مطلوب لأجل غرض آخر هو المثول بين يدي رب العالمين بذلة العبودية وفقر المملوكية المحضة قبال العزة المطلقة والغنى المحض كما ربما استفيد من قوله تعالى: ﴿قل ما يعبؤ بكم ربي لو لا دعاؤكم﴾ الفرقان: 77، حيث بدَّل العبادة دعاء.“ [16]
وهنا يقول الشهيد مطهري: " إذًا عندما نقرأ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ سورة الذاريات، 56.، وإذا قالوا من جهة ثانية أنّ للعبادة درجات، فإنّه يكون واضحًا أن الهدف الأصلي ليس المرتبة الدنيا من العبادة، بل هي المرتبة العليا من العبادة، وكل من لم يصل إلى تلك المرتبة، فإن هذه المرتبة الأدنى أفضل بالنسبة له من لا شيء.
وقد جاء في تفسير ابن عباس: «ليعبدون؛ أي ليعرفون» وأنّ المعنى الذي أعطيناه للعبادة، يجعل من هذين المفهومين واحدًا، لأنّ العرفان هنا هو المعرفة الكاملة، وشهود «الحق»، والعبادة في هذه المرحلة، والسمو الذي ذكرناه، لا يمكن أن يكون عمليًا إذا لم يكن مصحوبًا وتوأمًا بمثل هذا العرفان. " [17]
وعلى هذا الأساس، فحقيقة العبادة [كما قال العلامة الطباطبائي] نصب العبد نفسه في مقام الذلة والعبودية، وتوجيه وجهه إلى مقام ربه، وهذا هو مراد من فسَّر العبادة بالمعرفة يعني المعرفة الحاصلة بالعبادة.
فحقيقة العبادة: هي الغرض الأقصى من الخلقة وهي أن ينقطع العبد عن نفسه وعن كل شيء ويذكر ربه. " [18]
يقول العلامة الطباطبائي - قدِّس سره - " هذا ما يعطيه التدبر في قوله تعالى: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ الذاريات، 56، ولعل تقديم الجن على الإنس لسبق خلقهم على خلق الإنس قال تعالى: ﴿والجان خلقناه من قبل من نار السموم﴾ الحجر: 27،
[كما أنَّ] " العبادة [كما يرى العلامة الطباطبائي] هي غرض الفعل أي كمال عائد إليه لا إلى الفاعل على ما تقدم.
ويظهر من القصر في الآية بالنفي والاستثناء؛ أنْ لا عناية لله بمن لا يعبده كما يفيده أيضًا قوله: ﴿قل ما يعبؤ بكم ربي لو لا دعاؤكم﴾ الفرقان / 77. " [19]
ولهذا يقول السيد الإمام - قدِّس سره - ”بهذه الأدعية، وبهذه الأمور الواردة عن الله ورسوله، تتمّ تربية المجتمع.“ [20]
فهذه ”الأدعية مليئة بالمعارف وهي لسان القرآن ومفسرة القرآن بخصوص القضايا التي لا يصلها الآخرون.“ [21]
ولذلك يؤكِّد السيد الإمام - قدِّس سرّه - أنّه ”لا ينبغي عزل الناس عن الأدعية، ولا ينبغي القول بأننا ما دمنا وصلنا إلى القرآن، ونريد تلاوته، فلا حاجة للدعاء، كلا، يجب أن يأنس الناس بالدعاء، فبذلك يصلون إلى الأنس بالله.“ [22]
ذلك أنّ ”القرآن والدعاء ليسا منفصلين، مثلما أنّ النبي ليس منعزلًا عن القرآن.“
ولذلك ”لا ينبغي لنا القول بأنّ لدينا القرآن، فلا حاجة لنا بالنبي، [كَلَّا]، الأمر واحد وهما معا“ لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ”لا افتراق، ولا ينبغي أن نفصل بينهما فنأخذ القرآن بمعزل عن الأئمة، والأئمة بمعزل عنها، والأدعية بمعزل عنه.“ [23]
كما لا يخفى أن الصلاة ”إن كانت من الإله على العبد فمعناها الرحمة والسلام، كما ورد في قوله تعالى: ﴿أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ سورة البقرة، 157، وإذا كانت الصلاة من النبي - ﷺ - على المؤمنين أو من هؤلاء على النبي أو على إخوانهم؛ بمعنى الدعاء كما في قوله تعالى ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ﴾ سورة التوبة، 103. على نحو التمامية عند وجودها، من استيفاء تمام أجزائها، وكمال شرائطها.“ [24] .
وعودة إلى الشهيد مطهري، حيث يخلص الشهيد مطهري إلى هذه النتيجة قائلًا: ”فالإسلام يرى أنّ الإنسان خُلق من أجل العبادة والتقرب إلى الله ومعرفته، ومن الطبيعي أن يمتلك الإنسان نتيجة لذلك القدرة.. ولكن العلم والقدرة مقدِّمات وليست «أصل»، وكذلك تزكية النفس.. فهي كلها أهداف ثانوية.“ [25] ، ولذلك ”نحن نعتقد [كما يقول الشهيد مطهري] أن الهدف هو نفس“ الحقيقة ”أي ذات“ الله" [26]
أي التعرف على أسماء الله - جل جلاله - كما يقول السيد الإمام - قدِّس سره - حيث أنّ ”أسماء الله هي أيضًا علائم ذاته المقدسة، وأسماء الحق تعالي هي التي يمكن للإنسان التعرف على ذاته المقدسة من خلالها ولو بصورةٍ ناقصة أما نفس الذات المقدسة للحق تعالى، فلا يصلها إنسان، حتى خاتم الأنبياء، وهو أعلم وأشرف بني آدم، فهو لا يستطيع الوصول إلى مرتبة الذات تلك؛ إذ لا يعرفها سوى ذاته المقدسة؛ أمّا ما يمكن لبني الإنسان الوصول إليه فهو أسماء الله. [كما أنّ] لهذه الأسماء أيضاً مراتب نستطيع نحن أن ندرك بعضها [كما يقول السيد الإمام] فيما ينحصر إدراك البعض الآخر بأولياء الله والنبي الأكرم - ﷺ - وأولئك المعلمين بتعليمه.“ [27]
وإذن؛ ”ففي المنطق الإسلامي [كما يقول الشهيد مطهري] هناك شيء واحد هو الهدف؛ وهو الله، لأن التوحيد في الإسلام لا يقتفي سوى ذلك، وإذا ما قالوا بوجود أهداف أخرى مثل الجنة، أو الفرار من الجحيم؛ فإنها أهداف تأتي بالدرجة الثانية للناس الذين يجب أن يفرّوا من تلك الأهداف الجهنمية المنحطة جدًّا.“ [28] .
فعلى سبيل المثال، تعتبر العدالة الأخلاقية حسنة، كما يقول الشهيد مطهري - ”بسبب كونها تقف ضد النفس الأمارة، وتزيل هذا المانع عن طريق الوصول إلى الحقيقة؛ لأن وجود الإنسان ما لم يكن وجودًا متعادلًا فإن الإنسان لن يكون باستطاعته السير إلى الله.“ [29]
”وعلى كل حال [يتابع الشهيد مطهري قائلًا:] فإن“ الإيمان ”في الإسلام من وجهة نظرنا“ هدفٌ ”وليس وسيلة، وهذا خلاصة القول.“ [30]
لأنّه: "هنا قد يُطرح سؤال وهو: عندما نقرأ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا﴾ سورة النساء، الآية، 136.، فهل الإيمان هدفٌ أم وسيلة؟.
يقول الشهيد مطهري: ”وبدون شك إنّ للإيمان آثارًا كثيرة، ولكن هل أرادوا الإيمان بسبب آثاره؟ وأن على الإنسان تحصيل الإيمان ليتخلص من الاضطراب والقلق، وأن يكون مؤمنًا لكي لا يعتدي على الآخرين، وأن يكون مؤمنًا لتكون بين الأفراد ثقة متبادلة و...؟ هل الإيمان مقدمة لكل ذلك، أم أن كل ذلك من آثار الإيمان، إن الإيمان بقطع النظر عن كل ذلك“ هدفٌ ”؛ لأنه يمثل ارتباط الإنسان بالحق والحقيقة.“ [31]
ويخلص الشهيد مطهري إلى هذه النتائج قائلًا:
1 - ”إذًا؛ فإن الأيمان بالله من وجهة نظرنا“ هدفٌ ”، وبعبارة أخرى فإن“ الله ”هو الهدف، ولهذا السبب فإنّ الإيمان ومع كل تلك الآثار الكثيرة التي له؛ لم يوجب الإسلام أن تكون له تلك الآثار؛ لأنّ تلك الآثار هي من فوائد الإيمان.“ [32]
2 - يعتبر الشهيد مطهري: ”أن الإيمان واجب؛ لأنه نفسه يربط الإنسان بالحق، ونفس ارتباط الإنسان بالحق؛ يعتبر كمالًا، بحسب الرؤية الإسلامية.“ [33]
3 - يعتبر الشهيد مطهري أنّ ”العلم ليس هدفًا «العلم في أحدى معانيه والحكمة، وهي العلم بحقائق الأشياء»، وليس الجمال هدفًا، وليست العدالة هدفًا، ولا المحبة هدفًا. بل الهدف فقط هو الله والحقيقة، ولكن الحقيقة التي تكون مصحوبة مع تلك الأشياء الأخرى، إمّا من باب المقدمة أو من باب النتيجة.“ [34]
من هذا المنطلق كان الشهيد الصدر - قدس سّره - يقول:
إنَّ ”الهدف الذي رسمه الإسلام للإنسان في حياته هو الرضا الإلهي“ وإنَّ ”المقياس الخلقي الذي توزن به جميع الأعمال إنّما هو مقدار ما يحصل بها من هذا الهدف المقدّس،“ وإنَّ الإنسانَ المستقيم: هو الذي يحقق هذا الهدف ”وإنَّ“ الشخصية الإسلامية الكاملة: هي الشخصية التي سارت في شتّى أشواطها على هدي هذا الهدف، وضوء هذا المقياس، وضمن إطاره العام " [35]
وعلى هذا الأساس اعتبر الشهيد مطهري - قدِّس سره - أن الله - جل جلاله - هو الهدف النهائي في الفكر الإسلامي، وأنّ العبادة وسيلة لربط الإنسان مع الله. ولذلك قال: ”هذا هو بحثنا عن الهدف النهائي في الفكر الإسلامي.. وهو ليس سوى الله، ومن هنا فإن العبادة في أوجها وسيلة لربط الإنسان مع الله، وليس وسيلة للإنسان لتحقيق مطاليب أخرى.“ [36] .
بعض نتائج البحث في هذه الحلقة:
1 - إنّ ملاحقة ومتابعة السيد الإمام للفكرة الأخلاقية والعرفانية منذ أيام شبابه وإلى نهاية عمره المبارك يؤكد لنا وحدة الفكر وديمومته على نفس الأدبيات والاتجاهات عند السيد الإمام - قدِّس سره - في كل عمره المبارك، وهذا ما أكدّه مترجم «الأربعون حديثًا» كذلك. «راجع ص، 11، ط، 1411 هـ - 1991م»
2 - نحن نعتقد أنّه لو قُدِّرَ للشهيد مطهري أن يعيش كما عاش السيد الإمام بعد الانتصار لما كانت أدبياته ومحاضراته وخطاباته تختلف عمّا قبل الانتصار.. فيبقى الهدف هو الله جل جلاله - مع أهمية الحاجة لكل الوظائف والمشاغل والأعمال الأخرى، والتي عليها يقوم العمران للبلدان، ولكن تبقى الصلاة خير العمل!
فحيّ على خير العمل، وقد قامت الصلاة!
وقد رأينا، سابقًا، في كلام السيد الإمام، كيف أن خدمة العباد، وعلى رأسهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - - كيف أنهم كانوا أهل الدعاء والعبادة.
3 - عرفنا، كذلك، في هذه الحلقة، حد المعرفة الممكنة من العبد لله - جل جلاله - حتى بالنسبة للنبي الأكرم - ﷺ - وأنه ما هو الممكن في معرفة الله - جل جلاله - معرفة أسماء الله؟!
أو معرفة ذاته المقدسة؟!
والحمد لله رب العالمين.