آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

ثقافة الاستغلال

محمد أحمد التاروتي *

تمثل المبادئ التي يحملها المرء، ترجمة حقيقية للتعاملات اليومية مع الآخرين، فالمنظومة الفكرية، تلعب دورا أساسيا في تحديد طريقة التعاطي، مع مختلف الملفات الفكرية والحياتية، بحيث تضع ضوابط صارمة، للحيلولة دون الانحطاط للدرك الأسفل، مما يحدث تحولا خارجيا، وداخليا في النظرة للامور.

المرء بما يمتلك من إراد، ة وقدرة على رسم مسار الحياة، فانه يصنع هويته ويصقل ذاته، بالاتجاه الهدف الذي يتحرك نحوه، بشتى الوسائل لتحقيقه، فإذا اراد السمو والارتقاء في الحياة، وتثبيت أقدامه في المجتمع، فانه يتحرك وفق منظومة أخلاقية، تتسامى مع الفطرة السليمة، والديانات السماوية، من خلال الالتزام بكافة المفردات، التي يرددها في البيئة الاجتماعية، بينما سيكون مصيره مزبلة التاريخ، والنفور التام من المجتمع، بمجرد انتهاج مسلك شياطين الجن والانس، خصوصا في حال عدم تورعه، عن ارتكاب الجرائم عبر استخدام ”الغاية تبرر الوسيلة“، مما يخلق هوية إجرامية، واستغلالي، ة بكل ما تحمل الكلمة من معنى.

عملية الاستغلال، تختلف باختلاف أصحابها، والغايات الموجودة من ورائها، فهناك الاستثمار السلبي، الذي يولد المشاكل للمرء نفسه، والمحيط القريب، وكذلك البيئة الاجتماعية، فهذا المسلك البشري يتجه صوب الاعمال السيئة جراء تلوث البيئة الاسرية او الاجتماعية، بحيث يجلب الويلات على الجميع، مما يحدث اختلالا في التوازن الاجتماعي، عبر تغليب السلوكيات الضارة، على نشر الأخلاق الفاضلة.

هناك الاستغلال الإيجابي، الذي ينطلق من السمو الذاتي للمرء، والمستند على الفطرة السليمة، فهذا النوع من السلوك الإنساني، يمتاز بامتلاك الرورح الشفافة التي تهفو الى الأخلاق الكريمة، حيث تلعب الأجواء الصالحة التي يترعرع فيها المرء دورا في تكريس هذه النوعية من السلوك، اذ تحافظ على الصفاء النفسي، مما يدفع صاحبها باتجاه الاعمال الصالحة، التي تعود على المرء بالفائدة في الدنيا قبل الآخرة، فضلا عن نشر المبادئ الأخلاقية والانسانية في المجتمع.

الاستغلال حالة فطرية لدى الانسان، فالرغبات الذاتية، تشكل احد العوامل لبروز هذه الصفة، في الكثير من الممارسات الحياتية، اذ يمثل الصراع داخل النفس البشرية، معركة حقيقية في تحديد الاتجاه السلبي، او الإيجابي، للتعاطي مع القضايا، والعلاقات الاجتماعية، فالبعض يسعى لتقديم الخدمات الجليلة دون مقابل، ”لا نريد منكم جزاء ولا شكورا“، بخلاف البعض الاخر، فان يحاول استغلال كافة الظروف، في سبيل تحقيق المكاسب الذاتية، ”لا يخدم بخيل“.

يتحمل المجتمع جزء من المسؤولية، في الإفراط بحسن النوايا، مما يجعله يكشف جميع الأوراق، الامر الذي يفقده القدرة على التراج، ع او تصحيح الأوضاع، ”الثقة في كل احد منقصة للعقل“، وبالتالي، فان البيئة التي تسلم رقبتها دون دراسة وافية، تجد نفسها في حالة ضياع وخسارة كبرى، بمعنى اخر، فان الحذر والحيطة، امر مطلوب في جميع الأحوال، فالآثار السلبية تكون اقل كثيرا، مع اتخاذ إجراءات الحيطة والحرص.

كاتب صحفي