التموين وضعف المنافسة
لنستذكر المواسم الرمضانية السابقة، وكيف تنحو الأسعار صعودًا، فلماذا لا نتدبر الأمر من الآن؟ ملائم أن تعلن الأسعار في القنوات التقليدية وقنوات التواصل الاجتماعي، فنبرمج تطبيقًا للهواتف الذكية يعرض أسعارًا محدثة للفواكه والخضار المحلية والمستوردة واللحوم بأنواعها والأسماك والأصناف الرئيسية ل «الأرزاق»، مثل الأرز والقمح، على سبيل المثال لا الحصر. هناك من يظن أن أساس ضبط الأسعار هو الرقابة، رغم أن العنصر الأكثر تأثيرًا هو المعلومات والمنافسة، بمعنى أن امتلاك المستهلك للمعلومة سيجعله يتخذ قرار الشراء عن وعي، أما ما يحدث حاليا فهو أن المستهلك يدخل السوق في حالة «غياب عن الوعي» غير ملم بمستوى الأسعار، ولذلك يشتري وهو غير متيقن، لكنه تحت ضغط الوقت والحاجة يُقدم على الشراء إذعانًا وليس اقتناعًا. وحالة عدم الاطمئنان لدى المستهلك لا يمكن أن تترك هكذا، والحلول متاحة وعلينا تنفيذها أو أحدها حتى لا تصبح أسواقنا ملاذًا للجشعين، وحتى لا تصبح جيوب المستهلكين نهبًا للشطار. والمقترح المحدد: اللجوء لبث المعلومات عن أسعار السلع الأساسية التي تشملها السياسة التموينية المعلنة للمملكة والتي تقوم على انتهاجها وزارة التجارة والاستثمار، والبث يتحقق بالقنوات التقليدية عبر الاذاعة وغير التقليدية مثل مواقع الانترنت وتطبيقات الهواتف الذكية والتطبيقات المرتبطة بالانترنت.
ومع الاقرار بأن ليس بالامكان القضاء قضاءً مبرمًا على ممارسات استغلال المستهلك، لكن لابد من مواكبتها، السؤال: ألا توجد تكتلات من الشركات عندنا «تضبط» الأسعار فيما بينها، وتتلاعب بها؟ بل في كثير من الأحيان فإن من يتحكم بالسعر هو الوكيل الحصري الجذري والوحيد لعشرات، وأحياناً مئات من الأصناف، ومصداقًا لذلك فقد نشرت صحيفة الاقتصادية منذ فترة، العجب العجاب فيما يتعلق بالوكلاء ووكالاتهم الحصرية، إذ أن بعضهم يسيطر على آلاف السلع والخدمات، وبذلك يضع السعر الذي يرغبه هو. القصد، أن على وزارة التجارة والاستثمار، من خلال مجلس حماية المنافسة دراسة وضع الوكالات التجارية بعمق ومدى سيطرة مجموعة صغيرة من التجار عليها، وعندما أقول مجموعة صغيرة فالقصد هنا عدد لا يزيد عن العشرة، بمعنى ان نطاق الدراسة المطلوبة محدد: من هم التجار الذين يسيطرون على 80 بالمائة من وكالات السلع الأساسية؟ ومدى جدوى اجتراح آليات لكسر الطوق كإنشاء شركات تقتسم تلك الوكالات فيما بينها، حتى لا يصبح قرار مأكل ومشرب المستهلك بيد تاجر أو اثنين. ولعل من الملائم إدخال التعديلات الضرورية على نظام حماية المنافسة وعلى السياسة التموينية لنتخلص مما نحن فيه من استغلال وسط غياب معلومات السعر وشيوع شبه الممارسات غير التنافسية التي لا تضبط نتيجة لتركز توكيلات السلع في يد مجموعة صغيرة من التجار. ولابد من الاستدراك بالقول، ان الحرص على تعزيز المنافسة بين التجار ليس القصد منه الاضرار بتاجر بقدر تتبع المصلحة العامة، التي تكمن في تنافس التجار فيما بينهم ليصبح استقطاب الزبون ونيل رضاه محركهم الأساس، فوطيس المنافسة، إذا ما حمي، فسيكون أمضى سلاح لمراقبة الأسعار، إذ سيكون الزبون صاحب القرار، وسيتدافع التجار لنيل رضاه. ومن هنا، فلابد أن نحقق القانون الأساس لتحقيق المنافسة: تسهيل دخول التجار للسوق وخروجهم منه، حتى لا يسيطر عليه الكبار، فينهكوا الصغار، ويسيطروا على «الوسط»، ويضبطوا بذلك الأسواق على إيقاع يروق لهم.