المرأة أكثر وفاء
أجيال تعاقبت على - أكاذيب كثيرة - لا تعد ولا تحصى.. مثل كذبة ”أن النساء أقل وفاء من الرجال“. أو كذبة - الغواية - التي جعلت آدم يجد نفسه، عاريا بخزي خطيئته ومعصيته لأمر ربه، وهي الغواية التي وجد آدم نفسه بعدها.. مطرودا من الجنة.. ونزل بسببها إلى الأرض.
رغم أن الله يخبرنا - أن المعصية كانت - من آدم وحواء معا.. وأن الله يخبرنا أن المعصية والخطيئة الأولى كانت من إبليس وليست من حواء.. وأن حواء مثلها مثل آدم ضحية التصديق البريء لوعود إبليس وغوايته؛ قال الله تعالى: ”فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيهۖ وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدوۖ ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين“ «36» البقرة. ثم خاطبهما - معا - كفاعل مثنى.. وقرر عليهما عقابا واحدا متساويا، ونسب المعصية في نهاية الأمر إلى آدم! قال الله تعالى: ”فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى“ «121» طه.
وكأن حواء بمنأى عنها.. أو كأنها الضحية الأكثر ضعفا.. والأجدر بالرحمة من آدم.. أو كأن معصيتها تابعة له، وفي ظلال اتباعه ومحبته.. خطايا النساء تأتي غالبا من الرجال وبسببهم! لأن الإخبار عن المعصية جاء مختصا بآدم بعد توالي الاشتراك في فعل الذنب.. منه ومن حواء.. ولو كانت حواء هي علة الذنب لآدم، أو هي السبب في معصيته، لكان الله أخبرنا بذلك.. ولم ينزلهما منزلة واحدة في توصيف المعصية ولا في عقوبتها! رغب القصاصون.. إلقاء - خطيئة آدم الأولى - على المرأة، الكائن الذي أريد له أن يختزل وجوده في ”الغواية“ وفي ”الشهوة والمتعة“. وبهذا ستأتي فروض العزل والإبعاد كافة وإرداف دلالة التطهر بالبعد عن هذا الجنس اللطيف الجميل الرائع. رب مشهور لا أصل له، وكثير من - روايات الغدر - وقلة الوفاء - المنسوبة إلى - النساء - تأتي ليس بوصفها ”محتوى أخلاقيا“ بقدر ما تم نسجها، حيث تثير الكراهية، أو تغري بالاحتقار، وعدم الثقة بالمرأة بسبب جنسها.. وبسبب كونها - التجسيد الحي - للغواية الأولى المفترضة.. بحسب التراث اليهودي، وأساطير النشأة الأولى للخلق، وعلة الوجود! المستقرة في الإسرائيليات. التاريخ المذكر، والتاريخ بقلم الرجال، تعمد إبادة كل الأدلة التاريخية التي تقود إلى حقيقة أن الغدر من الرجال أكثر، وأعم، وأغلب، وأن الرجل يقدر على كل إثم، ولكن المرأة لا تقدر على كثير من الآثام التي يقدر عليها الرجال. وأن كل واحد منا، سيجد النساء من حوله، هن أكثر عفة، وأطهر نفسا، وأرقى روحا، وأعذب قلبا، من كل الرجال الذين عرفهم طوال عمره! وأن كل واحد منا يدرك.. غالبا أن أمه أجمل نفسا من أبيه، وأعظم منه، وأرقى في حبها لهما معا! وأن تضحياتها أكثر نبلا، وأسمى شرفا.
الرجل تتبدل صورة زوجته في عينيه، مع تقدم عمرها في رعايته، والقيام بحقه، وأولاده.. بينما هي يزداد زوجها جمالا في عينيها، بتقدم عمره وتزداد له حبا.. وهو في منحنى الضعف والعجز والعوز.. ندرك مع تقدم أعمارنا أن أمهاتنا كن أكبر مما نظن، وأعظم مما كنا نتصور، لأنهن طوال الوقت كن يراقبن ذنوبنا نحن ”الذكور“ كي يخفينها عن كل عين، حتى عن أنفسنا! في واقع الحياة.. تظل المرأة هي الوفاء الخالص العذب الصادق الطاهر البتول.. ويظل قلبها غمير اللطف والعطف والحنان.. وإن روايات الخيانة وقلة الوفاء.. هي نثار من الملح.. هي شجرة من صبار وليدة قفر وقهر وقسوة.. هي نشأة تأتي عند كل قفر.. وتزول عند كل خصوبة وعذوبة وقليل من ماء ولو شح وتباعد.