الزاير تصدر «أنثى وسياج» و«عشق شرقي» وتؤكد: المشكلات سببها اختلاط المفاهيم
أصدرت الشاعرة والأديبة يسرى الزاير إصدارها «أنثى وسياج»، مبحرة بين دفتيه بعكس التيار، في لغة أشبه ما تكون برشفات الماء على خدي امرأة محمر الوجنتين، لتحلق خارج السياج، لأنثاها التي سئمت الوقوف في محطات اليأس بانتظار العبور ناحية الحياة الطبيعية، المزدهرة بألوان قوس قزح، لتكسر بأحرفها الحاجز النفسي، الذي يرميها عنوة في الانعزالية، تحت وطأة الأعراف والتقاليد، التي باتت اليوم بصبغة ناعمة يطلق عليها ”خصوصية المجتمع“، لتكون المرأة جنبًا إلى الرجل في توليفة تكاملية،
وأكدت أن معظم المشكلات المجتمعية، سببها اختلاط المفاهيم وازدواجية القيم.
إصدارها ”أنثى وسياج“، بزغ للضوء من نافذة دار أطياف للنشر والتوزيع، حيث جاء في 195 صفحة محتوية على مقدمة وستة عشر نص وثمانية وعشرين مقالاً بجانب أطروحة واحدة، و”عشق شرقي“ صدر عن دار أطياف للنشر والتوزيع في مائة وخمسة وثلاثين صفحة، احتوى على تسعة وأربعين نصًا، إضافة إلى العشرات من الخواطر والتغريدات.
«جهينة الإخبارية»، أجرت حوارًا مع الشاعرة والأديبة يسرى الزاير، يحاورها جمال الناصر.
بداية، ممكن تعرفي القارئ على بطاقتك الشخصية؟
يسرى هاني رضي الزاير، سعودية من مواليد محافظة القطيف، متزوجة وأنعم الله علينا بثلاثة كواكب ونجمتين وحفيدة، كالبدر أضاءت سمانا، أسرتي هي أولوياتي وكل حياتي، درست التاريخ والحاسب، حيث أن دراسة القانون والعلوم السياسية، كانا التخصص الذي أملت تحقيقه ولم يكن، أن أعمل في السلك الدبلوماسي، كسفيرة لبلادي.
كان حلم طفولتي وأحسبه الحلم المستحيل، اليوم كلي أمل أن تكون كلماتي، هي سفيرتي الدبلوماسية للعالم كله، امتلكت مركز نسائي لعدة سنوات، لدي خبرة طويلة في عالم التجميل.
انخرطت في العمل التطوعي لعدة سنوات، حاصلة على العديد من الدورات التدريبية والتأهيلية في عدد من المجالات، منها: الإدارة والتدريب، مارست الكتابة والنشر الإلكتروني من 8 / 8 / 2008.
مقالاتي ونصوصي مواكبة للأحداث والمتغيرات الاجتماعية قدر الإمكان، عاهدت نفسي أن يكون قلمي رهن إشارة إنسانيتي، أن أطل من خلاله على العالم صوتًا نسويًا حقيقيًا، يدعو المرأة أن تنصر نفسها لا أن تستجدي من ينصرها.
الرجل في حياتي، هو كل دنياي، بداية من والدي إلى إخواني، ثم مع الزواج اتسعت الدائرة، لتحيط زوجي وأولادي، ما أنا عليه من قوة وإقدام وطلاقة في البوح والتعبير، هو بسببهم ولهم، قد يتصور البعض بأني أهاجم الذكورية بناءً على معاناة مع الذكر أو شعور بالاضطهاد.
أحب أن أوضح بأني تربيت أميرة عند أهلي وتوجت ملكة في بيتي، وما الكتابة لدي إلا رسالة تحكمها الفكرة ومعطيات عديدة تفرضها ظروف النص، وانطلاقًا من أن الكاتب يجب عليه أن يساهم في بناء وتنمية وطنه، أن يكون قلمه البندقية المشهورة في وجه أعداء الفكر والتنوير، أن يكون قلمًا مشرفًا يليق بهذه الأرض وناسها، وعليه ليس أفضل من قلم المرأة، فهي مرآة المجتمع وانعكاس لروحه، ولا يستطيع أي منصف ألا يلاحظ ما تعانيه المرأة من تهميش واضطهاد في مجتمعنا بغض النظر عن نشأته ومسبباته.
حدثينا عن إصدارك «أنثى وسياج»، وماهية دلالته، كعنوان ومدى تمازجه مع النصوص، التي تحتضنه؟
إصدار ”أنثى وسياج“، بين دفتيه إبحار عكس التيار، أنثى كسرت المعتاد وحلقت خارج السياج، عندما صنعت من الحروف فيصلاً بينها وبين المألوف، أنثى سئمت الوقوف في محطات اليأس بانتظار العبور نحو حياة طبيعية تقررها هي وحدها، لا بعض من الذكور الغرباء كانوا يومًا ما في سالف الزمان قادرين على قلب موازين الطبيعة، حين قرروا إلغاء نصف طاقة المجتمع واحتكارها لخدمة ذكر واحد تحت ذريعة الأعراف والتقاليد، التي باتت اليوم بصبغة ناعمة يطلق عليها ”خصوصية المجتمع“.
إن ”أنثى وسياج“، هو لسان حال الأنثى، التي تسمح لي أن أكون جزءًا من فكرها وروحها. بالنسبة لتمازجه مع النصوص، أعتقد بأنه يوجد انسجام وتماهي بينهما، لأني حاولت ترك الأفكار تأخذني دون قيد أو شرط، كنت أسيرة لأفكاري ولم أجعلها أسيرة لي، أردت أن تصل الفكرة للقارئ خام بقدر الإمكان، ليقوم هو بفلسفتها كيفما شاء وبما يتلائم مع اُفقه الخاص.
برأيك، هل التعامل مع المادة الأدبية - النص -، من زاوية فلسفية، تأخذ منحى التعمق في صياغة أحرفها ومعانيها، لتقترب من القارئ النخبة، مبتعدة عن القارئ العادي. وعليه ألا يشكل هذا عائقًا في استقطاب القارئ بعمومه؟.
صحيح أني افتتحت إصداري بخاطرة تقول: انتظرت الإلهام طويلاً، حتى أيقنت بأنه لا يأتي من المجهول، إنما تصنعه فلسفة العقول، هذا لا يعني بأنني انتهج الفلسفة في طرحي، حيث أن الفلسفة بنظري مادة جافة صعبة المراس، تمتهنها شخصيات أدبية فلسفية الطابع والأسلوب وغالبًا ما تكون الشخصية ذاتها لها خصوصيتها الثقافية، التي ممكن أن يطلق عليها إنها نخبوية، بالنسبة لي ممكن أقرأ فلسفة، لكنها لم تستهويني يومًا، إذ أميل لقراءة الكتب ذات السياق السلس.
بالتالي أحرص أن تكون نصوصي سلسلة وخفيفة المفردة، خاصة أني أستهدف القراء بكل الأطياف وجميع الأعمار، حيث أن ما قصدت إيصاله من خلال الخاطرة، يمثل دعوة إلى أن نقرأ كل شيء وأي شيء وندع عقولنا تفلسف ما تقع عليه أعيننا، لكي تتفتح أفقنا ونجد الفكرة تحلق بنا وتلهمنا حتى نصل إلى مكامن في أعماقنا لم نتصور وجودها يومًا، بالتالي لا أؤمن بالطبقية الفكرية ولا العنصرية الاجتماعية، كل فرد قادر على القراءة، ليكون قادر تلقائيًا أن يستوعب المفردة وما وراءها.
وعليه فالقارئ العادي - كما تفضلت -، هو أولوية، حيث استقطابه يعد مؤشرًا إلى أن الإصدار في مساره الصحيح. فأتمنى أن يحوز الإصدار قبوله ورضاه.
برأيك، هل البلاغية كأسلوب كتابي، بعيدًا عن المباشرة -، يرقى بالذائقة أم أنه يقعر منها، لتنعزل عن المتلقي؟
في رأيي يفترض أن نرتقي بالذائقة، إذ أنها تحرك الفضول الإيجابي، كما تحفز على التأمل والاستكشاف.
بالتالي تثير بالنفس لذة الحصول على معرفة جديدة، أقلها استكشاف أغوار فكر الكاتب وطبيعته - على سبيل المثال لا الحصر -، عندما أقرأ نصًا، فأنا أستحضر شخصية كاتبه ونفسيته، لا شعوريًا تحدث بداخلي انفعالات وأجد نفسي أجالس طيفًا من كلمات لا سيما إن احتوت على ما يلامس إحساسي.
إن هذا التلاقي يخلق انسجامًا ساحرًا وكأننا نلتقي مع المجهول، ذاك المستحيل نتصوره شاخصًا أمامنا، فهل هناك أروع من هكذا شعور، فلا أعتقد بأنها تنعزل عن المتلقي إلا إن كان ملول وانعزالي بطبعه.
الحياة، كما يوصفها النقد، أحداث درامية، والكاتب قد يستقي فكرته من الواقع أو الخيال، بالنسبة لديك، هل تستقين فكرة النص من الواقع أم تبحرين في الخيال؟
من الاثنين، المقالة تكون أقرب للواقع، أما الخاطرة والنثر تكون أقرب للخيال، حتى أن الألفاظ تأتي ساحرة محلقة بها كثافة من المشاعر والأحاسيس، التي تنقل الكاتب نفسه إلى عوالم لا وجود لها، وتبقى الفكرة في كل الأحوال نابعة من واقع سوى أدركه الكاتب أم لم يدركه، فقد يكون واقعًا مخزونًا في حيّز ما بالذاكرة لا يتذكره، عندها يظن بأنه خيال.
هل القارئ لديك يشكل هاجسًا تخشينه أم طيفًا يتناغم، مع يراعك وذاتيتك أثناء الكتابة وما بعدها؟
القارئ لدي طيفًا يتناغم جدًا، إذ أنه الدافع الرئيس للبوح بخلجات النفس، هو ذاك الصديق الوفي الذي تلقي على كتفه أدق خصوصياتك وتمضي مطمئن القلب، مبتهج الخاطر، هو تلك العلاقة الروحانية الراقية، التي ترتقي بالغرباء، ليلتقوا على مائدة الفكرة والشكوى دون ثمن.
علاقتك بالإلهام، كيف توصفينها، وماهي أجواء الكتابة لديك؟
علاقتي بالإلهام، كما مولود ولد حاملاً بتوأمه، علاقة لم أجد كلمات توصفها، لا أستطيع القول إلا أني خلقت به، هو ذاك الصمت الموغل في أعماقي، تلك البحور المائجة على مدار عمري، تتقاذفني في صحو وحتى نومي.
إن أجواء الكتابة لدي لا تحدها ظروف ولا تخضع لطقوس معينة، طقوسي كأنها ممسوسة، قد أكتب وأنا بكامل أناقتي جالسة على مكتب فاخر وبجانبي قهوتي، مع قطعة وفيرة من الشوكلاته السويسرية، وكثيرًا ما أكون متكومة حتى الفجر داخل خزانة ملابسي وهنا يكون الانهمار في أوجه.
وغالبًا ما أكون مندسة في أريكتي الزيتية، دفاتري وأقلامي متناثرة حولي بجانب أكواب القهوة، صوت فيروز قادم من ”اللابتوب“ ولا مشكلة إن كان التلفزيون شغالاً أيضًا، لا مانع أن أكتب نصًا طويلاً وأنا في مشوار بالسيارة، أو في المول، حديقة، رصيف، طائرة أو مطار، أي مكان وأي وقت لا توجد معوقات وحواجز بيني وبين الفكرة والكلمة.
القارئ لإصدارك ”أنثى وسياج“، يبصر استجلاء تعرية المفاهيم، لكشف حقيقتها، كأنما أدركت الكاتبة أن الكثير من المشكلات، تكمن في اختلاط المفاهيم، لهذا فإن الكشف، يأتي كضوء ينير الدرب، ما تعليقك.
سؤالك جميل جدًا، فقد أوجزت ببراعة إعلامي محترف محتوى ”أنثى وسياج“. نعم هو كذلك، أعتقد أن معظم مشكلاتنا المجتمعية، هي بسبب اختلاط المفاهيم وازدواجية القيم والمعايير، نجد معظمنا يعيش داخل بيته بشكل معين، بين أصدقائه بشكل مختلف، في عمله يكون شخصًا آخر، يسافر لدولة عربية له أسلوب مختلف عن ما هو عليه في البلد، يسافر لدولة أوروبية أو أمريكا غير الشكل والروح، يزور شرق آسيا غير آسيا الشرقية، وهلم جرة، حتى يظن من يعلم بتحولاته بأنه من فصيلة الحرباوات لا بني آدم، وهذه الحالة تنطبق على الجنسين منا.
أيضًا يحرم على بنت بلده ما يحلله على بنت من بلد شقيق ملاصق لبلده، ونفس الوضع من المرأة تجاه الرجل، صراحة نعيش حالة من الغربة، ضائعون نحن بين الواقع وبين الازدواجية وأكاذيبها. قِس على ذلك كل القضايا من أصغرها إلى أكبرها، داخلية كانت أم خارجية.
متى كانت بدايتك الشعرية، وكيف توصفينها؟
لا أولج لبحور الشعر لما له من بروج عالية مسيجة بالقوافي والأوزان، وأنا ذات روح متمردة على القيود والإلزام، يستهويني النثر والبعثرة، المهم عندي أن تحمل الكلمة نفحة من روحي وطيوفًا من وحي خيالي. بدايتي جدًا قديمة منذ أول مراهقتي إلا أني لا أنشر النصوص، التي تحمل خصوصية وحميمية، أول نص نثري كان للقطيف تحت عنوان ”واحة وبحر وجرافة“، إذا لم تخني الذاكرة كان في عام 2009.
ماهي خطواتك المستقبلية في مشوارك الأدبي، وهل لديك ديوانًا صوتيًا - إن كان لا يوجد -، ألديك رغبة في إصداره؟
خطواتي المستقبلية بدأت فعليًا بخوض غمار تجربة مختلفة، حيث أعمل حالياً على كتابة القصة الطويلة الله يوفقني ويعيني على إنجازها بالشكل الصحيح، الذي يرضي القارئ، ليس لدي ديوانًا صوتيًا، الرغبة موجودة منذ وقت طويل لكنها تحتاج إلى دراسة وتروي، لتخرج للناس بشكل مناسب ومميز.
حدثينا عن إصدارك ”عشق شرقي“؟
عشق شرقي ليس شعرًا، نستطيع القول بأنه هجين، يحمل قصائد نثرية، ونصوص، ايضًا خواطر وتغريدات. اشتمل على العديد من الجوانب، منها: العاطفي والوطني والمرأة، هذا بالنسبة للنثر، أما الخواطر والتغريدات جاءت شمولية، بها من الهموم، وبها من الحب، كما لاحت قضايا المجتمع وأحداث الساعة في الكثير من الخواطر.
هل تجدين أن الشعر في جانبه النسوي، قد وصل لحد الطموح منه في القطيف أم لا زال يراهق خطواته؟
الشعر النسوي لا يزال خجولاً، مرجع ذلك إلى الكثير من الأسباب على رأسها، إن الشعر يحتاج إلى أفق مفتوح لا وجود فيه للعوائق، وهذا مالا تستطيع معظم الشاعرات من التحليق فيه، ليس لعدم المقدرة، على العكس فَلو خاضت المرأة الشعر بكامل إمكانياتها لاعتلت قممه، إنما يقف خجلها وحياءها عائقًا، فهي لا تتجرأ على إطلاق عنان البوح في جانب الحب والغزل، أيضًا الشعر بشكل عام يستدعي في معظم الأحيان استخدام مفردات جريئة وتصوير إيحائي يصعب على المرأة التمادي فيه كما الرجل. هذا يشمل المرأة العربية بشكل عام، ليس فقط في القطيف. نعم لدينا شاعرات مبدعات، لكن ثق بأن ما تخفيه جواريرهن أكثر إبداعًا، ففي تلك المخابئ يبيت الشعر النسوي الرائع بلا منافس. متى ما غادر الشعر النسوي مخابئه، قد نستطيع أن نتكهن بحد الطموح.
برأيك، هل المنتديات الأدبية في القطيف، أنصفت المرأة وإبداعها بمختلف الفنون الأدبية؟
بالنسبة للمنتديات النسوية، فهي ملتقى تتألق فيه المرأة ثقافة وأدبًا، هناك تتلاقى الأفكار وتطرح في جو مفعم بالرقي والنعومة والجمال، مكان للتعارف والانغماس في عالم المرأة بكل تفاصيله. فيه يكون الإنصاف من كل امرأة تجاه ذاتها هو أنصاف للأخريات. المرأة القطيفية طبعها الرقي تتطلع للتميز، تبني ذاتها بنفسها، ولهذا في اعتقادي هي لا تنتظر أنصاف لا من منتديات ولا من غيرها.
اللغة الشعرية لديك أين بوصلتها؟
بوصلة اللغة الشعرية لدي متحررة، كما نحلة أينما وجدت رحيق حطت عليه ونهلت من شهده.
برأيك، هل الديوان الصوتي، يساهم إيجابيًا في المنتج الأدبي، وإيصاله لفئات المجتمع المختلفة، كذوي الاحتياجات الخاصة - على سبيل المثال لا الحصر -؟
بالتأكيد أن الديوان الصوتي يساهم إيجابيًا في المنتج الأدبي، فإن ذوي الاحتياجات الخاصة بحاجة لذالك كثيرًا، حيث يمثل لهم الصوت محطة تلاقي مع العالم المحيط بهم، الذي هم جزء لا يتجزأ منه، من حقهم الانخراط والاستمتاع كأي فرد صحيح البنية كامل الحواس، أيضًا هناك فئات سليمة الصحة، لكن يصعب عليها الاستمتاع بالمطالعة أما بسبب الأمية التعليمية أو مشاكل وقتية أو دائمة في النظر، كما وأن المادة الصوتية تكون ملائمة لكل وقت وأي مكان، يسعدني أن أعرب عن مدى سعادتي وتقديري إلى صحيفة ”جهينة الإخبارية“، السباقة دائمًا لإلقاء الضوء على إمكانيات وجهود أبناء المجتمع وتقديرها لهم ودعمهم، كما وأُقدِّم لك ”أستاذ جمال“، شكري وتقديري لهذا الحوار الاحترافي وهذه الأسئلة الجوهرية، التي استمتعت جدًا بها، وعسى أن أكون أجبت إجابة وافية.