الآخر «كن كيف ما بدي»
في عالم التربية، ينصح التربويون الآباء والأمهات بتغذية فلذات أكبادهم بثقافة الاستقلالية وعدم التبعية، ليكون شخصًا له شخصيته، التي يتفرد بها، لها أسلوبها وثقافتها ونظرتها الخاصة. إن التربية لا تكون جبرًا في أن نجعل من فلذات أكبادنا نسخة لنا، ولكن بكوننا الموجه في مختلف اتجاهات الحياة، ليكونوا صالحين مستقبلاً في إدارة شؤونهم وحياتهم. قد يتجه بعض الآباء والأمهات من نافذة الحب والحرص والخوف عليهم إلى جعلهم مرآة تعكس شخصياتهم بإيجابياتها وسلبياتها. وهذا ما يوصفه المختصون بأنه مخالف لمسارات البوصلة التربوية السليمة.
إن الأسرة، هي نواة المجتمعات الإنسانية، فإذا ما كانت التربية سليمة، كانت المخرجات منطقيًا سليمة بالضرورة، لتؤتي ثمارها عودًا على المجتمع. إن قنوات التواصل الاجتماعي - السوشل ميديا -، قربت البعيد وأبعدت القريب - إن صح التعبير -، لتصبح أسرة بحجمها الكبير مسافة، والصغير بحكم التواصل السريع مجازًا. ثمة شيء يختزلها - السوشل ميديا -، حيث أن بعض روادها، لديهم ثقافة غرست عقولهم في بوتقتها - أقول البعض -، ألا وهي ”أيها الآخر، كن كيف ما بدي“. إن هذه الثقافة، تجذر لإلغاء الآخر وليس احتضانه أو على أقل تقدير احترام ثقافته ومكنوناته الإنسانية والحياتية، لتأخذنا ناحية حجرة ظلماء، منقوش على جدرانها «أنا ملقوف، كن كيف ما بدي».
يقال: «رأيي خطأ يحتمل الصواب، ورأي غيري صواب يحتمل الخطأ». إن قولاً كهذا يبعث في مضمونه فلسفة احترام الآخر، وكيفية الحياة مع الاختلاف، ليبعدنا عن الخلاف. الأريحية في التعبير عن الميولات أو الاتجاهات الثقافية والأدبية والفنية، سمتها الأسمى الانفتاح على الآخر، تختصرها كلمات، تعرف الحكيم بأنه «الحكيم من جمع عقول الناس في عقله». وعليه فإن - السوشل ميديا -، تمنحنا فرصة التقرب من الآخر، تلاقح الأفكار، توطيد العلاقات، تبادل الخبرات، المشاركة في الإنجازات.
«إن لم تكن معي، فأنت ضدي»، إنها مفردات ليست اعتراضية بمفهومها اللغوي، بقدر أنها واقع نمارسه بنسبة وقدرها - عليك تقديرها -، يسوقها سوء الظن بالآخر، لنؤطره في زاوية معينة يقطنها، نتعامل معه من حيثياتها، نقصيه - نطقطق عليه -. إن هكذا أسلوبية تعامل لا تجدي نفعًا، إن أردنا بلوغ التميز والتطور في مخرجاتنا، التي ننشدها. إن الكثير من الخلافات، وعدم الأريحية، وتوصيف الآخرين بشكل سلبي، مكمنها عدم تقبل الآخر، وإرادته بأن يكون عقلاً، كعقولنا.