تركيا وإيران.. من المصالحة إلى المواجهة
قليلة هي المرات التي تصل فيها العلاقة السياسية بين تركيا وإيران إلى حد احتمال المواجهة السياسية والأمنية.. والسبب في ذلك يعود إلى قدرة البلدين على عدم تأثير الاختلاف والتباين في الملفات الإقليمية وحماية العلاقة الداخلية في مختلف المجالات..
والسبب في ذلك يعود إلى أن الاختلاف والتباين في الملفات الإقليمية، أضحى مؤثراً في الكثير من موضوعات الساحة الداخلية سواء في تركيا أو إيران..
فالملف السوري والملف العراقي، لهما - أي لتركيا وإيران - رؤية سياسية متناقضة مع بعضهما البعض.. فالرؤية التركية في سورية، تتجه نحو دعم المعارضة المسلحة وإسقاط النظام السياسي، وتشكيل نظام سياسي موالٍ لتركيا في سورية..
ويقابل هذه الرؤية، رؤية إيرانية تدعم النظام السياسي في سورية، وتدافع عن هذه الرؤية بكل الوسائل والإمكانات..
ولا ريب أن التباين في الملف السوري، دفع الاختلاف إلى حدود قصوى بين تركيا وإيران..
كما أن الرؤية التركية - الإيرانية في الملف العراقي، تصل إلى حد التناقض.. فالأتراك يريدون عراقاً مختلفاً في نخبته السياسية عن العراق الحالي.. والإيرانيون يدعمون النخبة السياسية الحالية، ويعتبرونها هي وحدها القادرة على ضمان مصالحها والدفاع عنها، سواء أمام عدو داخلي أو خارجي..
وهذا التباين يفعل فعله في يوميات العلاقة بين البلدين، وكل طرف غير قادر على جعل علاقته الثنائية بمعزل عن تطورات الملفات الإقليمية..
وخضوع تركيا وإيران، إلى متواليات التباين في الرؤية والمصالح الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية في الملفين السوري والعراقي، هو الذي يدفع الأمور نحو صعوبة ضبط هذه التباينات بعيداً عن الملفات الإقليمية.. ويبدو أن الأمور تتجه مستقبلاً بين البلدين إلى الكثير من المشاكل والتباينات في المواقف السياسية تجاه تطورات الملفات الإقليمية وبالذات الملف السوري والملف العراقي، وقد تطال بعض الملفات الإقليمية الأخرى.. ويبدو أن كلا البلدين يدركان حيال تدهور أوضاع العلاقة والتفاهم، أن المواجهة العسكرية بين البلدين لن تغير الكثير من معادلات الإقليم.. وأن التدهور في العلاقة بين الطرفين له مصالح إقليمية عديدة.. فتركيا من خلال عملية التصعيد يقربها أكثر من دول الخليج العربي.. وإيران لا تريد لهذه العلاقة أن تتعدى هامش العلاقة والمناورة المتاح بين الطرفين..
وثمة إقرار أن الملفات الإقليمية وتباين وجهات النظر فيها، بدأ يضغط سلبياً على كلا البلدين..
ويبدو أن الأمور لن تصل إلى مستوى الاستقرار السياسي والاقتصادي العميق بين البلدين، إلا بوصول متغيرات المنطقة إلى حدودها القصوى والنهائية.. وعليه فإن استقرار شكل التسوية في الملف السوري هو الذي سيؤدي إلى استقرار العلاقة أو تباينها السياسي والأمني..
ولعل الخلافات والتباينات الثنائية بين البلدين، تعكس قدرة البلدين على الاتفاق بضرورة حماية مصالحهما الاقتصادية والتجارية.. وثمة أدوار سياسية واقتصادية قامت بها تركيا وإيران لحماية المصالح الاقتصادية والتجارية..
ويبدو أن التوتر الأخير للعلاقة، يعود إلى سعي السيد إردوغان للعمل للاستفادة من عاملين دوليين رئيسيين:
الأول: الاستراتيجية الأميركية التي أعلنها دونالد ترامب تجاه إيران، والذي يعتبر محاربة الإرهاب في الشرق الأوسط من أولويات السياسة الأميركية..
ومن المؤكد وفق المنظور الأميركي أن إيران لها شأن مباشر وخطير في هذه المسألة..
العامل الآخر: الصراع الصامت بين موسكو وطهران في سورية.. بمعنى أن زيادة الحضور الروسي في المشهد السوري، سينعكس سلباً على الدور والفعالية الإيرانية..
والذي يجعل تركيا مستعجلة في تكييف نفسها مع هذا التوجه الدولي وطبيعة المعركة الداخلية التي يخوضها السيد إردوغان في الداخل.. حيث يتجه إلى تغيير الدستور بحيث يصبح النظام رئاسياً للمزيد من التفرد والإمساك بكل الملفات الداخلية والخارجية..
لذلك فإن السيد إردوغان اتجه نحو دول الخليج العربي ليعزز موقعه الخارجي سواء في ملفه الداخلي أو ملفاته الخارجية..
ولعل هذه المتغيرات بلورت الدور الجديد الذي يمكن للسيد إردوغان القيام به، وهذا الدور يدفع الأمور باتجاه إبراز المفارقة والخلاف مع إيران..
وخلاصة الأمر؛ أن الأمور السياسية والإقليمية، تتجه صوب المزيد من الصدام السياسي والأمني بين تركيا وإيران، وأن هذا الصدام سيتغذى من تطورات الأحداث الإقليمية.. ونرى أن هذا الصدام بين تركيا وإيران، لن يتوقف إلا بإنهاء الملفات الإقليمية الضاغطة سياسياً على طبيعة العلاقة بين تركيا وإيران..