آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

ثقافة السمع

محمد أحمد التاروتي *

كثير من الكوارث الاجتماعية، مرتبطة بغياب المعلومة الدقيقة، نظرا لاعتمادها على الشائعات بالدرجة الاولى، الامر الذي يترك اثارا سلبية، على العديد من الشرائح الاجتماعية، خصوصا وان ترديد الأكاذيب، يكرس واقعا قائما على الزيف، لتحقيق أغراض خاصة لبعض الجهات، التي تقوم بترويج تلك الاقاويل الباطلة، ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ.

تكريس ثقافة السمع في الواقع الاجتماعي، مرتبط بوجود الارضيّة الخصبة القادرة، على استقبالها، فمن الصعوبة بمكان زراعة مفاهيم خاطئة، في بيئة صالحة، نظرا لعدم وجود القابلية، لاستقبال مثل هذه المفردات، غير المنسجمة مع التركيبة الاجتماعية الواعية، بينما يلاحظ تترعرع الثقافة السمعية، في البيئة الاجتماعية المتخلفة، فهذه المجتمعات غير قادرة، على تمحيص الغث من السمين، مما يجعلها تستقبل دون تردد، كافة ما ينتشر دون اعمال العقل، لغربلة الأمور لرفض الطالح، واستقبال الصالح.

هناك فئات تحترف الأساليب، في الباس الحق بالباطل، بهدف اكساب الشائعات هالة من الصدقية، «خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً»، نظرا لإدراكها بصعوبة تمرير بعض الأكاذيب، دون مزجها ببعض الحق، فالكذب المحض واضح للعيان، مما يستدعي إيجاد تركيبة خاصة، لاستغفال بعض العقول للتقبل، والتحرك لترويجها، عوضا من التريث قليلا، للتأكد من هوية أصحابها أولا، ومدى صدقية مثل الشائعات الرائجة ثانيا، الامر الذي يخدم الأهداف المرسومة، لبعض الفئات الاجتماعية، الساعية لكسر شوكة الطرف المقابل.

بث الشائعات ملكة، ليست متاحة للجميع، فهذه النوعية من الثقافة، تتطلب توافر اشتراطات محددة، ولعل أبزرها الخبث، وعدم التورع عن الصاق التهم، دون وخز للضمير، فالمرء الصادق مع الذات، لا يسمح لنفسه تشويه سمعة الآخرين، مقابل حفنة من الأموال، او في سبيل الحصول على مكاسب اجتماعية، او تحقيق مصالح شخصية، بخلاف الانسان المريض والخبيث، فهذه النوعية من البشر، لا تترد عن ارتكاب مختلف الممارسات، غير الأخلاقية بمجرد رؤية بريق الذهب.

خطورة الشائعات، تمكن في احداث الانقسام الحقيقي، داخل المجتمع الواحد، حيث تصبح شرائح منبوذة، على خلفية اتهامها زورا وبهاتا، بارتكاب ممارسات غير حقيقية، اذ يتخذ البعض موقفا عدائيا، جراء التسليم بصديقة الشائعات الرائجة، فهذه الشريحة ليست في وارد البحث، عن الحقيقة قبل اتخاذ الموقف، بمعنى اخر، فان التحرك لانصاف المتهم، لا يلقى اهتماما يذكر على الاطلاق، فالقاعدة القرآنية لا تجد مكانا، للتطبيق لدى هذه النوعية من الشر، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ.

ثقافة السمع من الأمراض الاجتماعية، المزمنة في العديد من الكيانات البشرية، حيث تختلف مستوياتها تبعا للظروف الزمانية، والمشاكل السياسية والاقتصادية، حيث ترتفع وتيرتها في أوقات الأزمات، التي تعيشها المجتمعات، اذ تلجأ بعض الدوائر لبث الشائعات، لاثارة قضايا هامشية، او محاولة تحريف التفكير، باتجاه ملفات اقل أهمية، لذا فان الماكنة الإعلامية، تعمل على مدار الساعة، لابتكار الشائعات وبثها على الدوام، سواء المتعلقة بكيل الاتهامات، لبعض الفئات الاجتماعية، او من خلال التركيز على ملفات تافهة، ومحاولة لفت الانتباه اليها في وسائل الاعلام.

كاتب صحفي