محاولة اغتيال.. وثلاثة دروس!
قد تبدو بعض الحوادث للوهلة الأولى صغيرة وفردية، لكنها تمثل نذر شؤم لعواقب مدمرة. فأن يجري استهداف شخصية اعتبارية بالعنف المسلح، مسبوقا بفاحش القول، ثم لا يعقب ذلك سوى رد فعل خجول، فالجميع هنا مشاركون - على نحو أو آخر - في مآلات هذا العنف. من هنا يمكن النظر إلى محاولة الاغتيال التي تعرض لها المهندس نبيه البراهيم، الوجيه والشخصية المعروفة في بلدة العوامية، والعضو السابق بالمجلس البلدي في القطيف، باعتبارها نذير شؤم، لعواقب وخيمة لن تستثني أحدا، سيما وأن هذا الاعتداء ليس بمنأى عن مواقفه الاجتماعية وآرائه السياسية، وهنا مكمن الخطر. ذلك إن خطورة الاعتداءات الإجرامية على أصحاب الرأي في مجتمعنا أبعد بكثير من محاولة تصغيرها والمرور عليها مرور ”اللئام“.
لابد من القول أولا إن الرأي ينبغي أن يقابل بالرأي. ف ﴿لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾. وتعدد الرأي أمر وارد وصحي بل هو مطلوب في كل المجتمعات المتحضرة، وفي سياق مختلف القضايا الشائكة، سواء تلك المرتبطة بالشأن الفكري، السياسي، الاجتماعي أو التنموي. ولا يحسبن أحد أن بمقدوره فرض الرأي على الآخرين خارج إطار النقاش الحر وتبادل الأفكار في الهواء الطلق، فقد جرب كثيرون عبر التاريخ وفي كل المجتمعات محاولات فرض الرأي بالقوة الغاشمة، أو الإكراه الفكري، إلا أن جميع محاولاتهم باءت بالفشل الذريع، ولم يزدد أصحاب الرأي إلا تمسكا واقتناعا بأفكارهم ومواقفهم. ينبغي أن نعي جميعا أن الدرس الأول في مقرر التاريخ هو النأي عن محاولة فرض الرأي أو الموقف بالترهيب الفكري أو المادي، نقطة على السطر!.
ولعل الدرس الثاني في مقرر التأريخ هو أن لا حدود نهائية للعنف. واهم كل الوهم من يتخيل من النخب الدينية أو السياسية والاجتماعية - الصامتة خصوصا - أن هناك حدودا واضحة ونهائية للعنف. فمن يظن أن العنف هو من نصيب غيره وحدهم، وأن لا شأن له به ولن يطرق أبوابه فليراجع حساباته، ولعل في تجارب الشعوب المجاورة عبرة لمن يعتبر.. ومن لا يعتبر. وقديما قيل من حلقت لحية جار له، فليسكب الماء على لحيته.. ولربما رقبته أيضاً!. ذلك إن المجرم الذي يستمرئ اليوم ممارسة العنف على طرف، لن يتردد في ممارسة ما هو أكثر من ذلك على أي طرف آخر، إذا ما اختلف معه في قليل أو كثير، نقطة أخرى على السطر.
أما الدرس الثالث من دروس التاريخ فهو إن العنف يجر العنف. دعني أقولها بصراحة، إن مقابلة أصحاب الرأي المختلف أو الموقف المغاير بالعنف اللفظي أولا، من خلال التخوين والاتهام، والمادي تاليا، عبر الاعتداء والترويع، لهو نذير شؤم لن ينجو منه أحد في مقبل الأيام. بل إن الأسوأ من ذلك والأشد خطورة هو أن يجر العنف المسلح إذا انفلت من عقاله عنفا مقابلا، والدخول عندها في فتنة عمياء لا تبقي ولا تذر، لأن من يعطي نفسه أو غيره، شرعية استخدام العنف اللفظي ورفع السلاح وترويع الآمنين، فلا ينبغي أن يتوهم بأن الآخرين سيبقون إلى الأبد خرافا ينتظرون نزول سكاكينه على رقابهم في كل مرة، فمن نواميس الحياة ”إن من سلٓ سيف البغي قُتِلَ به“. وهذا بالضبط أشد ما ينبغي أن ننأى بمجتمعنا عنه: العنف والعنف المقابل.
لا ينبغي السكوت على الاعتداءات اللفظية والمادية على أصحاب الرأي ولا التقليل من خطورتها، مهما بلغت درجة التباين معهم. من هنا ومن أجل مصلحتنا جميعا ينبغي على الجميع، والنخب الدينية والاجتماعية خاصة، أن تقف موقفا حازما من الاعتداءات - اللفظية والمادية - التي يتعرض لها أصحاب الرأي والموقف، على غرار ما تعرض له المهندس البراهيم وعائلته الكريمة من اعتداء ليس الأول من نوعه.
ينبغي اتخاذ مواقف صريحة من أرباب العنف. دونما تلطٍ خلف مجادلات سخيفة غايتها دائما القاء المسؤولية عن الحوادث البشعة من خطف وقتل ومحاولات اغتيال على الآخرين، كما لو كنا نعيش في مجتمع ملائكي!. وإلا فإن عواقب السكوت عن الاحتكام للعنف المسلح ستكون فادحة ووخيمة على الجميع، وقد رأينا جانبا منها في بحر الأسبوع الماضي من قتل شرطي في تاروت وشاب في العوامية وآخر في حي الشويكة وحرق عدد من أجهزة الصرف الآلي، فضلا عن ما سبق ذلك من حوادث إطلاق نار واختطاف القاضي الجيراني ﴿هذه تذكرة فمن شَاء أتخذ الى ربه سبيلا﴾.