ثقافة الاغتيال
مثلت قصة هابيل وقابيل ابرز مصاديق الاغتيال الجسدي، فقد حرك الحسد النوازع الشيطانية، لدى قابيل للإقدام على قتل اخيه، ﴿طوعت له نفسه قتل اخيه فاصبح من الخاسرين﴾، ﴿قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾، حيث تعتبر هذه الجريمة اول اغتيال على وجه البسيطة، لتبدأ بعدها سلسلة اراقة الدماء في مختلف بقاع العالم وتستمر حتى يرث الله الارض ومن عليها.
ثقافة الاغتيال، تمثل اقصر الطرق للتخلص، من الطرف المنافس، فهذه العملية تعطي انطباعا بالمستوى الاخلاقي، لدى بعض الاطراف، فاستخدام هذه الطريقة في التعاطي مع الاخرين، يكشف مدى العجز، وعدم القدرة على المنافسة الشريفة، مما يدفع تلك الاطراف للاقدام على اراقة الدماء، او تحطيم المناوئ معنويا، باعتباره الاسلوب الاسرع، والاكثر سهولة في بسط النفوذ، واقصاء المنافسين من الطريق.
دوافع التصفية الجسدية، او المعنوية، تختلف من شخص لاخر، ومن جماعة لمثلها، فهناك العوامل السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، بمعنى اخر، فان المحركات المادية، للاقدام على تصفية المنافس، تتفاوت تبعا للظروف المكانية، والزمانية، ففي الوقت الذي تمثل فيه الاطماع السياسية، عنصرا اساسيا في تحريك ملف الاغتيالات، في بيئة اجتماعية، فان العنصر السياسي يتراجع للمؤخرة، بالنسبة لبعض المجتمعات البشرية، حيث تمثل المحركات الاقتصادية عناصر فاعلة، في اراقة الدماء، وكذلك الامر بالنسبة للعوامل الاجتماعية، اذ تمثل النزاعات الاسرية، او القبلية، اسبابا رئيسية، في نشوب الحروب الطاحنة، مما يخلق حالة من العداء الدائم، والتصفيات الجسدية.
التاريخ حافل بمختلف اصناف، الاغتيالات الجسدية، فالعملية لا تقتصر على تصفيات الاعداء، بل تشمل ”الاخوة الاعداء“ و”النيران الصديقة“، فالكتب التاريخية تتحدث عن عمليات انتقام، وقتل ارتكبها الابناء ضد الاباء، والاخوة بعضهم البعض، اذ تمثل السياسة احد الاسباب، فيما الاطماع المادية تمثل عنصرا اخر، وغيرها من الاسباب، التي تدفع لارتكاب، مثل هذه الجرائم البشعة.
عمليات الاغتيال ليست محصورة، في التصفية الجسدية، فهناك عمليات اغتيال معنوية، تستهدف شخصيات تمتلك رصيدا اجتماعيا، وتأثيرا كبيرا في المحيط القريب، والبعيد، اذ تتحرك الدوائر الخفية لنصب شراكها، للايقاع بتلك الشخصيات، بهدف استبعادها من الحياة العامة، والتفرد بالساحة العامة، حيث تستخدم مختلف الاساليب، لاجبار الطرف المنافس، على رفع الراية البيضاء، وترك الساحة للطرف المقابل.
الاغتيال المعنوي يتطلب نشر غسيل، الطرف الاخر على الملأ، ومحاولة تشويه الصورة امام الرأي العام، حيث يتحرك الطرف المناوئ، في جميع الاتجاهات للحصول، على ”الصندوق الاسود“ ومحاولة فك رموزه، بهدف الابتزاز في البداية، واجبار المنافس على تقديم التنازلات، كخطوة اولى، بينما تأتي الخطوة الثانية، كصاعقة تنزل من السماء، اذ تبادر لنشر ”الصندوق الاسود“، في البيئة الاجتماعية المؤيدة، لسحب البساط، وكسر الشوكة، وافشال جميع المحاولات للمناورة، والتخلص من الفخ المنصوب.