إدارة الأزمات
ورد عن محمد بن الفضيل عن أبيه عن أبي جعفر الباقر : «إذا اشتدت الحاجة والفاقة، وأنكر الناس بعضهم بعضًا، فعند ذاك توقعوا هذا الأمر صباحاً ومساءً..» «بحار الأنوار ج52 ص 185».
تتعدد العلائم الحتمية التي تسبق ظهور الإمام المصلح المنتظر ، ومنها ذاك الابتلاء الإلهي للعباد بما يعتصر قلوبهم ويضيق فيه الأمر حتى تبان حقائق النفوس وما تستبطنه، فإن الحديث النظري عن القيم الإنسانية كالصبر والعطاء والرأفة بالناس، لا تجد لها أي ميزة أو مكانة ما لم تجد لها حضورا واقعيا يثبت مصداقيتها، وفي ساعة الشدة لا يبقى في ساحة الثبات والصدق إلا أولئك الذين وفوا بعهدهم مع الله عز وجل بإغاثة وإعانة المحتاجين ما استطاعوا لذلك سبيلا، وأما الذين لا تجد لهم همة في ساحة تقديم المعروف أو من استبطنوا الشح وأظهروا الإنفاق بألسنتهم فقط، فسيسقطون في أتون تلك الفتنة والبلاء عندما تعم الأمراض والفقر، إذ سيتجاهلون أنات وآهات المحتاجين من حولهم، ويغيب الحس الاجتماعي المتكاتف.
وتعبير الإمام الباقر باشتداد الفاقة يشير إلى أزمة خانقة وبلوى كبيرة تنتشر بين الناس وتتجلى بصورة لا تخفى على أحد، فمسألة الفقر ليست بالبدع من الظواهر ما كان هناك عند البعض روح الاستبداد والطمع والشح، ولكنها ترقى في مستواها البائس عندما تعم بظلها الثقيل على فئام كثيرة من الناس، كما في حالات الحروب العبثية التي تعبر عنها الروايات الكاشفة عن عالم ما قبل الظهور المقدس بالهرج والمرج، إذ تطغى روح الكراهية والعنصرية وتعمي الفتن ألباب العقلاء؛ ليكون البشر والحجر حطبا لحروب لا تجر إلا الويلات والكوارث على البشرية، والتي تفقد مظلة الأمان ويقضى على السلة الغذائية والصناعية والتجارية، فتنبعث الأزمة الاقتصادية وتنتشر الأمراض والأوبئة، ويكون الناس أمام امتحان عسير تتساقط عنده الشخصيات الأنانية.
التحذير من هذا الابتلاء الحتمي العظيم ليس لبث الخوف وتكبيل الإرادات وصنع الهزائم النفسية عند المؤمنين، وإنما هو تبصرة وتوضيح لحقائق مرحلة عسيرة سيمر بها الناس، وعليهم التأهب لسني يوسف العاصفة بمواجهة التحديات والأزمات بأفق فكري يمتلك رؤية منهجية، وبإرادات قوية تحلق عن وحل المصالح الضيقة والبخل وفقدان الإحساس بآلام الآخرين وإعراض الوجه وقبض اليد عن حاجاتهم.
فإذا سادت لغة الاحتراب والدم هلك الحرث والنسل، وتعطلت الحركة التجارية وارتفعت الأسعار بنحو جنوني لا تطيقه جيوب الناس، وانتشرت السرقة والسطو والرشاوى، فعند ذلك يغدو المرء مبرمجا في عقله باتجاه البحث المعمق عن المال وكنزه للأيام القادمة والتي أكثر سوداوية مما سبقها، فتتقطع الروابط الأخوية والإنسانية بين الناس، فلغة الرحمة والتآزر يصعب حينها على الكثير فهمها والتعامل بها.
والإمام الباقر يدعو للتمسك بجدارية التراحم بين الناس في أحلك الظروف، فمن علائم قوة الإيمان هو تقاسم اللقمة مع الإخوان كما كان عليه نهج الأنبياء والأئمة ، فرحمة الله تعالى ومغفرته تتنزل وتفيض على من يشفق على المحتاجين ويستشعر آلامهم، فيكون من الآمنين يوم القيامة.