ملة إبراهيم - الحلقة السادسة - لماذا سميت الملة بإبراهيم (ع)؟
كثير من المشاريع والحركات تبدأ بهدف لكنها مع الأيام تنحرف عن الأساس الذي انطلقت منه وتنعطف لمبادئ أخرى. الدين أحد أكثر الموضوعات التي تتعرض لانحراف على مدى التاريخ، حيث يتم استبدال موقعه تبعاً للأهواء والتيارات، ومن هذا المنطلق نبحث عن السبب في تسمية الملة بنبي الله إبراهيم ؟
تقول الآية الشريفة ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ «*» وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾[1] ، هذه الآيات تقول لأهل الكتاب: يا أهل الكتاب لا تدّعوا أنكم أولى بتمثيل نبي الله إبراهيم والحديث عن ملته، بل إن الأولى بذلك هم الذين اتبعوه وساروا على نهجه، وهذا النبي والذين معه سائرون على خطاه ومتواصلون على نهجه. فما معنى هذا القول؟ وما أبعاد هذا الحوار وهذا النقاش في ظل السؤال «لماذا سميت الملة باسم شخص نبي الله إبراهيم »؟
لنبي الله إبراهيم مكانة وأهمية كونه الأصل والمؤسس وأبو الأنبياء، وفي ادعاء بني إسرائيل ”الذين هم أبناؤه نسباً“ أنهم أتباع له فهذا يُكسبهم المشروعية، ويؤكد على أن ديانتهم على حق وسائرة على النهج الإبراهمي الأصيل. من هنا جاءت التسمية الربانية بنبي الله إبراهيم حتى تكون تلك التسمية نقطة مرجعية تاريخية لأصل الحركة التي ابتدأها، وهذا التأصيل يعمل على قياس انحراف الأجيال المتعاقبة عن نقطة الأصل وعن نقطة الانطلاق، كما يضمن العودة للأصل لتصحيح الحركة في أي زمان.
عندما تقول الآية ﴿إن أولى الناس بإبراهيم﴾ فهي تقول إن الأولى بالحديث عن نبي الله إبراهيم وتمثيله وتجسيد دعوته هم هؤلاء أي النبي والذين معه لأنهم اتبعوا نهجه وليس أنتم. وأصل الحديث في هذه الآيات هو نفي انتماء نبي الله إبراهيم لليهودية والنصرانية ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ﴾[2] ، أما آية ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾[3] فهي تحاجج كل من هتين الطائفتين حول حقيقة نبي الله إبراهيم باستخدام النقطة المرجعية لتبطل الادعاء القائل بأن الديانة كانت اليهودية أوالنصرانية، فاليهودية كمسمى جاءت بعد إنزال التوراة فكيف ينسب نبي الله إبراهيم لشيء بعده زمانياً، وبالمثل في النصرانية. وبهذه الحجة تتضح أهمية التسمية كونها تمثل نقطة تاريخية مرجعية، وبها يتبين مدى الانحراف عن الأصل، وكذلك تعتبر ضماناً للرجوع لمن أراد أن يصحح الانحراف.
تقول آية أخرى في سورة البقرة ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾[4] والآية الشريفة تفرض تسلسلاً تاريخياً في كون نبي الله إبراهيم هو الأصل وأن من يأتي من بعده يكون تابعاً له، والشيء غير المنطقي هو أن يكون نبي الله إبراهيم تابعاً إلى أحد أبنائه الذي جاء من بعده بعدة قرون.
الملة باسم نبي الله إبراهيم ليست مجرد تسمية لا هدف منها، إنها كاشف وضمان، كاشف للكذب والافتراءات لتبطل محاولات خطف الملة والاستحواذ على الأصل، وضمان للرجوع للحقيقة لمن أرادها في كل زمان. إنها تسمية تحدث الاتزان لكل تطرف متوقع عبر القرون حين تتمايز الطوائف وتنقسم الأمم على بعضها البعض بالغلو والعلو، فكل من يأتي من بعد إبراهيم تابع له، فهو المتبوع وليس العكس.