آخر تحديث: 8 / 5 / 2024م - 4:19 م

منطقة اقتصادية للدول الإسلامية

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة اليوم

لطالما تحدثنا عن إمكانات الدول الإسلامية السبع والخمسين من حيث الموارد البشرية والطبيعية وامتداد المساحة والموقع الجغرافي المميز والطبيعة الساحرة وتنوعها من برٍ وبحرٍ وأنهار وبقع زراعية وجبال شاهقة. كل ذلك بالإضافة لجماله يعني قوة وتمكينا، لكنها موارد ومقدرات متفرقة، لا يجمعها جامع يوظفها لتُخرِج الدول الإسلامية عشرات الملايين من سكانها من الفقر والمرض، والفقر المقصود هنا هو المدقع، والمرض محل الإشارة هو المزمن المميت أو المعيق. وثمة سؤال لطالما أصابني وغيري بإحباطٍ: ما آفاق التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية وصولا لاتحاد اقتصادي؟ برقت في الذهن بارقة: تصور لو أن هناك اتحادا اقتصاديا بين الدول الإسلامية، أو تصور حتى وجود منطقة تجارة حرة أو جدار جمركي واحد، أو لنذهب بالطموح بعيدا للقول بإيجاد سوق مشتركة تجمع شتات سلع وخدمات الدول الإسلامية. تصور ما الذي كان سيعنيه ذلك، وسط المستجدات الاقتصادية والتقنية والثورة التي أحدثتها الإنترنت والمعلوماتية من تمكين التواصل، وما يعنيه تقدم الخدمات اللوجستية بما يعزز توظيف الموقع الجغرافي لإيجاد انتعاش اقتصادي وتقني يرتقي بإمكانات الدول الإسلامية ويتيح فرصا للاستثمار وللعمل، لكني سرعان ما أعود للواقع المعاش لأقول: الآمال عريضة لكن الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي هما أساس أي تنمية ونمو اقتصادي ضمن أي دولة، والتحاق تلك الدولة بتكتل اقتصادي يستتبع تواؤم سياسي وتحالف إستراتيجي، ثم إن الدول الإسلامية تعاني حاليا من أوضاع صعبة، تستوجب التعامل معها، فتلك الأوضاع عبارة عن حرائق لا يجوز أن تترك. لكن لا بد من الاستدراك بالقول، إن الأمل يعود من جديد مع الزيارة الملكية الميمونة، التي زار من خلالها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، وهي إندونيسيا، بعد أن زار دولة إسلامية حققت معجزة اقتصادية بكل المعايير ورغم كل التحديات، هي ماليزيا. وليس خافيا، أن الشأن الإسلامي أخذ حيزا عريضا من الزيارة لكلا البلدين، كما أن الملفات الاقتصادية كانت حاضرة بقوة على المستوى الرسمي ومستوى قطاع الأعمال والرغبة لتعزيز العلاقات الاقتصادية إستراتيجيا لتتجاوز التبادل التجاري إلى تدفقات الاستثمار المباشر والشراكات في الأنشطة الاقتصادية المتعددة، بما في ذلك المساهمة في جهود تحقيق «رؤية المملكة 2030» وبرنامج الخصخصة. وعلى الرغم من أننا نتغنى دائما، ونعيد ونكرر بأن قوام المسلمين في العالم 1.5 مليار مسلم، وأن الدول الاسلامية تسيطر على أهم الموارد الطبيعية، ومع ذلك فالتنمية ما زالت في بداياتها والازدهار الاقتصادي ليس سائدا والبطالة منتشرة والفقر ينافسها في طغيانه. ورغم الآمال العريضة لاستنهاض التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية، إلا أن النتائج والإنجازات محدودة ولعل العلامة الفارقة هي البنك الإسلامي للتنمية. ولا بد من التذكير أن المملكة سبق أن أطلقت مبادرة للحوار الإسلامي إبان انعقاد القمة الإسلامية في المملكة، فالدول الإسلامية بحاجة لمبادرات نوعية في الشأن الاقتصادي لحفز الإبداع وفرص النمو والعيش الكريم.

الأفكار في هذا الشأن وفيرة، أما النادر فهو جدية التنفيذ، وعلى الرغم من الجهود التي بذلت في القمة الاستثنائية الرابعة، التي عقدت في رحاب البيت العتيق، حفلت أجندتها بالقضايا الاقتصادية. وفي سياق الحديث عن التنفيذ، فلعل جهود المملكة لحفز التعاون الاقتصادي مع الدول الإسلامية من خلال مبادرات وجهود متتابعة، تؤكدها زيارات ملكية وأخرى على أرفع مستوى، تُبين دأب المملكة بتحقيق تقدم ملموس يتجاوز التمنيات. وليس من شك أن المملكة في وضع مميز لتحقيق انفراجات في الملفات الإسلامية العالقة، أخذا في الاعتبار العلاقات المميزة التي تربطها بالدول الإسلامية، واهتمامها ومبادرتها لتعزيز التعاون مع الدول الإسلامية على كل الأصعدة، وما يشهده الاقتصاد السعودي من خطوات انفتاحيه تساهم في تقوية الروابط الاقتصادية مع المحيط الإسلامي تجاريا واستثماريا، ولعل الخطوات القادمة تساهم في إعادة بث الحراك في إيجاد منطقة اقتصادية إسلامية، تستفيد مما يولده تضافر الجهود وتنسيق التوجهات الاقتصادية لتحقيق الازدهار والاستقرار للدول الإسلامية ولشعوبها.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى