آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

السلام والأمان الاجتماعي

ورد عن فاطمة الزهراء : «و العدل تنسيقاً للقلوب» «بحار الأنوار ج 8 ص 114».

العدل هو إعطاء كل ذي حق حقه، ومقابله الجور ونهب مستحقات وممتلكات الآخرين بغير وجه حق، فمؤشر الخراب وعموم الفساد هو ضياع الحقوق مع غياب العقوبات الرادعة، إذ تحت عناوين الفروقات الاجتماعية وتدخل المصالح الشخصية يغض الطرف عن منتهبي الحقوق، فيسود التغول والتطاول على الغير وخصوصا الأطراف المتسمة بالضعف كاليتامى والفقراء، ولذا نجد أن الشرائع السماوية تجعل من العدالة الاجتماعية عنصرا مقوما لحياة الناس وأساسا منظما لعلاقاتهم ولغة التفاهم وعنوان الإخاء بينهم، وأي إخلال بمنظومة الحقوق والتجاوز عليها بغير وجه حق يؤدي إلى خلل في التوازن والمشاعر، وتنبعث حينها رائحة الكراهية النتنة ويسود منطق الغاب البغيض، وتندثر كل علائم الهدوء والاستقرار وترتفع رايات الاحتراب والتمزق.

الحكمة من سيادة قانون العدل بين الناس هو ضبط العلاقات بينهم وفق مبدأ الانسجام والتفاهم والإخاء، وتجنيبا لهم لويلات نظرات سوء الظن وانتشار وباء الأحقاد والقطيعة.

وما أجمله من تعبير بلاغي حينما تستعير سيدة نساء العالمين معنى التقارب بنحو منظم بين الأجزاء كباقة الورود والأشجار المتسقة في البستان والهندسة الرائعة لنظم المنازل المتلاصقة، كم يبعث ذلك على الإعجاب والتقدير والإكبار، فهذه الاستعارة التصريحية دلت عليها كلمة «تنسيقا»، وهذا النسق الجميل يبدو في تآلف القلوب ووئامها وتآخيها، ولا يمكن لنيران الكراهية وسوء الظن والخلافات أن تخمد ما كانت هناك انتهاكات وتعديات على حقوق الغير، ومنصة العدل هي الضامن الحقيقي لسيادة الصفاء والتنسيق الوازن بين قلوب الناس فلا يبدو بينها تنافرا أو بوادر شقاق.

والنظم الشرعية تطبق هيمنة العدل والإنصاف بين الناس بلا تمييز أهوائي، فالفروق الطبقية ملغاة والكل سواء تحت حكم القانون العادل، كما أن القوانين الجزائية تطبق بحذافيرها على الجميع دون استثناء لأحد، مما ينعكس بنحو إيجابي على خلق مناخ الأمان والسلم بين أفراد المجتمع، فلا خوف عند الفرد من تدخل الواسطات أو الاموال لتغيير موازين الحق العادلة، فالفقير والبسيط في نسبه على السواء مع الوجيه وصاحب النفوذ عند دكة القضاء والمحاكمات.

سيادة العدالة وضمانة الحقوق من التعديات تعد دعامة قوية للاستقرار والتوازن الاجتماعي، فالتصدعات والترهل في علاقات الأفراد تداهم وبقوة، عندما تجد متسعا لوجودها من خلال نيات السوء السائدة بسبب انهب الأموال والاستبداد بها، أو من خلال غياب السلطة الرادعة للظالمين لغيرهم في حقوقهم المادية والمعنوية، إذ أي تجاوز على شخصية الغير بتسقيطه وانتقاصه بفتنة أو نميمة أو غيبة تعد من الظلم الكبير ومن أسباب التنافر والكراهية بين القلوب.

الشعور بهيمنة العدل وحفظ الحقوق يشكل مصدر الطمأنينة والأمان عند الفرد، ويبدد من وجدانه المخاوف من مقابلة من يتعدى عليه بأي نحو من الظلم والتجاوز، أفلا يكون هذا الإحساس عنده مصدر ومنبع الكرامة وعزة النفس، ويشكل انطلاقة له ليحقق طموحاته وآماله دون أن يعيقها جور، ويعد انعطافة قوية وانفتاحا نحو نسج العلاقات الاجتماعية بصدق الحب والاحترام والتعاون؛ ليشكل مظلة التكاتف ومد الأيادي نحو جروح ومشاكل المجتمع لبلسمتها.