ولبى ابن الزهراء نداء ربه
تعجز الكلمات عن تبيان ما كان عليه الوالد المربي سماحة السيد صالح آل نصيف «رضوان الله عليه» من كينونة خاصة تجسد التقوى والقدوة الحسنة، فقد كان عطاؤه ودوره الكبير في حمل هموم المجتمع التثقيفية ومعالجة المشاكل الاجتماعية أكبر من الإفصاح عنه تفصيلا في هذه الكلمة، ولكن بعض الكلمات المفجوعة تبوح بها حشرجات أصواتنا المبحوحة ألما على فراق عمد لا يعوض وجوده، فقد أقفل الرحيل إلى بلدته بعد أن انتهل من العلوم الدينية لسنوات طوال، وكله أمل أن يؤدي المسئولية الملقاة على عاتقه بتنوير العقول وتزكية النفوس وتهذيبها بمكارم الأخلاق، فتلك الرسالة تحتاج إلى شخصيات تتمتع بصفات ومؤهلات خاصة كحسن التعامل مع الناس بأسلوب يحببهم لحجزة التدين والالتزام، فكان خير سفير للحوزات العلمية.
تفاعل وانجذاب جميع فئات المجتمع مع شخصية سماحة السيد كان ملفتا للنظر منذ بداية مقدمه لمنطقته، فاستطاع أن يحتوي شريحة كبار السن بدماثة أخلاقه وسعة صدره في الاستماع لهم وطريقة توجيههم، وبلا شك فتلك مهمة ليست بالسهلة لمن يعلم بأبجديات فهم شخصية كبير السن ونفسيته، والتف الشباب من حوله يستمعون منه المسائل الفقهية - وبالخصوص الابتلائية منها -، وقد كان له في فن طرح المسائل ذوق خاص يشوق المستمع له، وقد ظهر تأثير تعليمه بظهور السمة الثقافية والإيمانية لمن جلسوا في محضر درسه في المسجد الذي كان يؤم المؤمنين فيه لمدة أربعة عقود، وأما فئة البراعم والأطفال فكانوا يلقون منه التواضع والملاطفة والابتسامة الرائعة التي لا تفارق محياه.
وأما مجلسه المبارك والذي لم ينقطع أبدا عن استقبال المؤمنين منذ مقدمه الميمون، فكان موئل المسترشدين بوضاءة وجهه وما ينثره لسانه من علوم وبيان للآيات الكريمة وتوضيح للروايات الشريفة، وقد كان في دائرة اهتماماته التعليمية التركيز على القضايا العقائدية والشبهات المطروحة في طريق المبتنيات الحقة، فكان من الدروع الحصينة للذود عن حياض المعارف والرؤى الشرعية.
وعلى سيرة ودأب أسلافه الصالحين في إحياء أمر محمد وأهل بيته ، فقد أقام مجلس القراءة والندبة الحسينية في المنزل والمسجد، ولطالما رأيناه ينشج وينحب ألما على مصائب العترة الطاهرة، فدموعه التي تسيل على خديه خير شفيع له بين يدي الأطهار في محضر الرب الجليل عز وجل.
وكان له ذلك الدور الاجتماعي المشهود له بين أفراد مجتمعه، فيشاركهم في مناسباتهم ليكون له ذلك الحضور الذي يرسم علائم الارتياح في قلوب من يعزيهم ويواسيهم أو من يبارك لهم، ولطالما رآه المؤمنون يجوب المنطقة باختلاف بلداتها حتى في أحلك الظروف والمتاعب، وقد كنت ممن يرافقه في بعض زياراته في برنامجه الأسبوعي لعيادة المرضى والسؤال عن أحوالهم الصحية، فانعكس ذلك بأثر إيجابي عليهم وعلى عوائلهم التي تثمن له هذا التلاحم معهم.
الحديث يطول حول عطاء سماحة السيد «رحمه الله» ولعل مقالا آخر يشير لنواحي أخرى، فعليه فلتذرف دموع أسى الصابرين والراضين بقضاء الله تعالى، وإنا لفرقاك أيها الوالد الحنون لمحزونون، فعليك السلام أيتها النفس المطمئنة التي لبت نداء ربها لترضى، وألهمنا الباري الصبر والسلوان على هذا الرزء الأليم، والذي اعتصر قلوبنا بعد أن طويت صفحة ناصعة من العطاء والمآثر التي أكسبت سماحته لسان صدق يتلو سيرته للأجيال.