نحن والسويد: كاميرات ساهر
منذ متى كان أسلوب التخفي بحد ذاته حالة أخلاقية؟ وبالتالي ينتفي السؤال هنا عن أسلوب إخفاء كاميرات «ساهر»، في كونه يحد أو لا يحد من تجاوزات المتهورين
ما بين ترتيب دولة أوروبية مثل السويد، وبين موقعنا في قائمة التصنيف العالمي للسلامة المرورية، تكمن مسافة التربية الأخلاقية التي تتلقاها المجتمعات في تعاطيها مع الظواهر والممارسات الخاطئة. فقبل أيام طالب الشيخ عبدالله المنيع، القائمين على كاميرات «ساهر»، بالكشف عن أماكن وجودها وتوضيحها للسائقين، وألا تكون قائمة على الترصد واستغلال غفلة قائدي المركبات، من أجل تحصيل الرسوم. السؤال: منذ متى كان أسلوب التخفي بحد ذاته حالة أخلاقية؟ وبالتالي ينتفي السؤال هنا عن أسلوب إخفاء كاميرات «ساهر»، في كونه يحد أو لا يحد من تجاوزات المتهورين، لأن القاعدة في الأصل غير أخلاقية؟ فلننظر مثلا إلى تاريخ لوحات الطرق الإرشادية في الاتفاقات الدولية والإقليمية، ويمكن قياس كاميرات المرور عليها، ففي أول مؤتمر دولي لمنظمة الطرق في باريس عام 1900، وما تبعه من مؤتمر آخر عقد في روما بعدها بفترة، وضع أسس أو أشكال، أول علامات، أو لوحات الطرق الإرشادية الرئيسية، سواء تلك التي تبين المنحنيات والتحذير منها، أو التي تبين مناطق مرور القطارات، وضرورة التوقف عندها، وقد كان هناك تأكيد أممي على أن تكون اللوحة واضحة وظاهرة للجميع، حتى تنظم حركة سائقي المركبات وأماكن وقوفهم وانتظارهم، وتلفت نظرهم لمخاطر الطريق، ومطباته، وطريقة استخدام الشارع بشكل لا يضايق الآخرين، ولا يشكل خطرا على حياتهم وحياة غيرهم من سائقين ومشاة، هذا ما استقرت عليه الأعراف الدولية، منذ أكثر من مئة عام من دون أن يأتي أحد المتحذلقين مطالبا بإخفائها!
تعالوا معي لدولة أوروبية كالسويد مثلا، وهي تتصدر قائمة أكثر دول العالم التي تتمتع بدرجة عالية جدا من السلامة المرورية، وتعتبر نسبة الحوادث المرورية فيها متدنية جدا، مقارنة مع الدول الأخرى. وفي المقابل أنظر كيف تربعنا بامتياز في مكان قصي، فقد احتلينا في 2015 المركز الثاني عربيا في معدل الحوادث المرورية، والثالث والعشرين عالميا. السؤال هنا: ماذا فعلت السويد؟ في عام 1997 أقر البرلمان السويدي قانونا أُطلق عليه اسم «الرؤية صفر»، وكان الهدف منه تخفيض معدلات الحوادث والقضاء عليها، ويعتمد النموذج السويدي للسلامة المرورية بصورة رئيسة على عنصرين لتحقيق هذه الرؤية، هما: الأخلاق، وقوة تنفيذ القانون. فلكي تصل إلى هذه الرؤية السويدية يجب أن يكون هناك تناغم موسيقي في تخطيط الطرق، واللوحات الإرشادية، والكاميرات، بينها وبين السيارات والمارة، فكاميرات المرور السويدية أسهمت في خفض عدد الحوادث المؤدية إلى الموت والإصابات البالغة بشكل ملحوظ، إذ بمجرد اقتراب السيارة من الكاميرا تقوم بتصوير السيارات التي تتجاوز حدود السرعة المسموح بها، وبعد ذلك تعالج الصورة بشكل يدوي في المجلس الوطني للشرطة السويدية، حيث يتم إخفاء صورة كرسي الراكب احتراما لخصوصيته، وخلال عملية التحقيق يتم التحقق من السيارة والسائقين المحتملين في السجلات الرسمية، وتقارن صورة السائق مع صورة جواز السفر أو رخصة القيادة، وإذا كانت الصورة مطابقة، ترسل الشرطة وثيقة تحتوي على صورة إلى الشخص المشتبه به، أما إذا لم يكن بالإمكان معرفة شخصية السائق فيرسل طلب إلى مالك السيارة لمعرفة الأشخاص الذين قادوها، كما تلاحظون ليس هناك أي إشارة لتحرير مخالفة مادية من قبل الشرطة، لأن هذا لا يعد من مهامها، بعد ذلك، وبعد التحقق، يتم إبلاغ قائد المركبة بورقة ترسل في بريده من أجل حضور المحكمة المرورية، فالقاضي المروري هو من يقرر وليس الشرطي كما هو موجود عندنا، ولتحقيق العدالة، ولكي تعالج الطبقية المرورية، تقرر العقوبة هناك على مستوى الدخل. نيويورك الأميركية تبنت هذه الرؤية السويدية، فلماذا لانتبناها نحن كذلك؟