ثقافة التأليب
فن التأليب، من الفنون المبتكرة لدى البشر، فالانسان بما يمتلك من قدرات، ومساحة واسعة للابداع، استطاع اختراع مختلف الاساليب، الهادفة للتنكيل، والفتك بالاخر، خصوصا وان عملية القضاء على المنافس، او العدو، ليست مرتبطة بالمعركة العسكرية، وانما تتنوع المعارك باختلاف الظروف، ومكانة وقوة الطرف الاخر، اذ لا تتطلب بعض المعارك استنزافا كبيرا، من الاموال، بقدر ما تحتاج على تحركات بسيطة، للانتهاء من المشكلة بشكل جذري، فيما تتطلب بعض النزاعات تخطيطا مسبقا، واستقطاب العناصر، وتشكيل غرف عمليات، تعمل ليل - نهار، لصياغة تفاصيل الخطة المرسومة.
التأليب يحتاج الى ادوات متعددة، وقادرة على التأثير في المحيط الداخلي، وكذلك العالم الخارجي، اذ تبدأ عملية تعرية الطرف الاخر، بالحروب النفسية، وتقليب التاريخ للبحث عن الصفحات السوداء، او محاولة تشويه مختلف الصفحات الناصعة البياض، عبر تحوير المواقف بالاتجاه السلبي، حيث تستخدم مفردات ذات وجوه مختلفة، للطعن في العدو، ومحاولة استقطاب الكثير، من الانصار، او الحيلولة دون اكتساب المزيد، من العناصر، خصوصا وان الحروب المفتوحة، تستدعي ابتكار مختلف الاساليب، لتحقيق الانتصار، ”الورقة التي تربح بها العب بها“.
الخصومة الشخصية، والحسد، واحيانا الخلافات السياسية، والمكاسب الاقتصادية، عوامل هامة، في بروز ظاهرة التأليب، في العديد من المجتمعات البشرية، فالعداء كما يمثل ظاهرة اجتماعية، لدى البشر منذ القدم، كذلك الامر بالنسبة للخلافات السياسية، القائمة بين الدول، بمعنى اخر، ان المعارك الشخصية المستعرة، بين الاشخاص، تدفع باتخاذ مسارات متعددة، تبدأ بالخصومة ولاتنتهي بالتأليب والطعن، في المواقف الظاهرية، واحيانا التشكيك في النوايا الداخلية، فالاعداء على مر التاريخ، يرصدون مختلف التحركات، للطرف الاخر، بحيث يتم تحوير تلك المواقف، لخدمة الاهداف الخاصة، الامر الذي يتمثل في الحملات المكشوفة، واحيانا الخفية، من خلال عناصر مرتبطة، بشكل مباشر، او غير مباشر، «من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه، وهدم مروّته، ليسقط من أعين الناس، أخرجه اللّه تعالى من ولايته الى ولاية الشيطان، فلا يقبله الشيطان»
نشر المثالب، وتضخيم الامور، بشكل مبالغ، تعتبر ابرز ممارسات التأليب، تجاه الاطراف الاخرى، فالخطأ الصغير، سرعان ما يتحول، الى جبل ضخم، نتيجة انتشاره بسرعة في البيئة الاجتماعية، اذ يسعى كل طرف لاصطياد الهفوات، عن الطرف الاخر، بغرض استغلالها، بشكل المناسب، لتحقيق الانتصار المعنوي، والمادي في المعركة القائمة ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾، ”لا تطلبوا عثرات المؤمنين، فإنه من تتبع عثرات المؤمنين تَتَبّع اللّه عثراته، ومن تتبع اللّه عثراته يفضحه ولو في جوف بيته“.
الماكنة الاعلامية الضخمة، تمثل اليد الطولى، لادارة معركة ”التأليب“، بمختلف اشكالها، فالمرء يمتلك القدرة، على تسخير الاعلام في النيل، من غريمه، حيث يعمد لبث الغث والسمين، في اركان المجتمع، دون النظر للعواقب المترتبة، على انتهاج هذه السلوكيات، غير الاخلاقية، كما ان السلطات الاجتماعية، والسياسية، تمتطي الاعلام، لتحقيق المآرب المرسومة، لتوجيه الضربة القاضية للعدو، الامر الذي يفسر الاهتمام بهذه الاداة، على مر العصور، في تحقيق الانتصارات، السياسية، والعسكرية، والنفسية.