طبعي فوضاوي
شاءت الأقدار أن يعيش لعدة أشهر في بلد تختلف ثقافة أهله ووعيهم عن ثقافته ووعيه.
في إجازة نهاية الأسبوع قرر أن يذهب إلى أحد الأماكن السياحية ليفرغ شحنات الضغوط النفسية التي خزنها خلال أيام العمل لكي لا تفتك به.
استغرقت رحلته أكثر من ساعتين بالسيارة حتى وصل إلى وجهته.
تقدم إلى شباك التذاكر فرحاً مسروراً بخلو الجو أمامه من السواح، لكنه تفاجأ بالموظف يعتذر إليه بأدب واحترام بأن الطاقة الاستيعابية للمكان وصلت للحد الأقصى، ولا يمكن السماح للمزيد بالدخول، وعليه الانتظار والعودة بعد ساعتين.. ابتسم مستغرباً من كلمات لم يعتد سماعها من قبل في بلده!
ماذا؟ وكيف يكون ذلك بعد هذا المشوار؟ وكيف يمتلأ المكان؟ وأين أنتظر؟ والكثير من الأسئلة التي أمطر بها الموظف المسكين.
وقف قليلا وإذا به يرى السواح من نفس البلد يأتون وكل منهم يعود بكل هدوء وتفهم بعد سماع نفس رسالة الاعتذار. وهو لايزال قائما مجادلاً محاولاً مفاوضاً متوسلاً لكي يتحنن عليه الموظف ويسمح له بالدخول.
والموظف يعتذر إليه بأنه لا يستطيع أن يخالف النظام وأنه سيُعاقب إن فعل ذلك.
وقف أكثر من نصف ساعة وهو يطالب بمقابلة المسؤول.. حضر المسؤول واعتذر منه، ولكنه لازال يُلح عليه ويحاول إقناعه بمبرراته بأنه أتى من مسافة بعيدة وهذه أول مرة يزور المكان، وغيره من المبررات التي قد تشفع له.
في الأثناء أتى أحد المواطنين وسمع إصراره ورغبته في الدخول واستغرب منه، فوقف جانباً يستمع إليه. فاغتنم فرصة وجوده وأشركه معه لكي يُسمح لهما بالدخول معا.
المسؤول لازال متردداً ومتخوفاً ومتحفظاً من مخالفة النظام.
بعد خروج بعض السواح من المكان طلب منهما الذهاب إلى مواقف السيارات والعودة معاً بعد خمس دقائق.
ما إن أقبلا حتى فتح لهما البوابة ورحب بهما وكأنهما من الأشخاص المسؤولين لكي لا يُحرج مع الآخرين الراغبين في الدخول.
استمتع بوقته وخرج صافي الذهن تاركاً خلفه مشاكل العمل وضغوطه النفسية.
في طريق العودة استرجع شريط ما جرى أثناء الدخول فلم يعجبه تصرفه وأخذ يلوم نفسه على ما سببه من ازعاج للموظفين... واستنكر الصورة السلبية التي عكسها عن الوطن الذي أتى منه... وسأل نفسه ما المانع من أن يتحلى هو بنفس الثقافة التي جعلت غيره يحترم النظام ويلتزم به بصمت وهدوء ويعود مباشرة بدون جدال؟ وما الذي يميزهم ويجعلهم أفضل منه بتصرفهم وأخلاقهم الراقية؟
لقد كان درساً أيقظه مما كان فيه من الفوضى والمخالفة واللامبالاة وقلة الوعي والثقافة، وجعله يستبدل «طبعي فوضاوي» بـ «طبعي نظامي» أينما حل في حله وترحاله.