لن أتزوج ثانية!
أحد أصدقائي المشاكسين سألني عن رأيي في تعدد الزوجات، ولا أعلم إن كان فعلاً ينوي معرفة رأيي أم أنه كان يسأل بخبث ليحصل مني على زلة يشعل بها النار بيني وبين زوجتي.
بكل ثقة أجبته: ليس كل تعدد زوجي خطأ، ولكن معظم من يتزوجون بامرأة أخرى ينتهون بالفشل الذريع!
تغيرت ملامح وجه صديقي بين الفرح للنصف الأول من جوابي، والسخط من النصف الثاني!
وبالطبع لم يعجبه جوابي لأنه من أشد مناصري تعدد الزوجات ولا ينقصه سوى بعض المال ليحقق حُلمه بالزواج من امرأة ثانية.
أبعدتُ عينيّ عن عينيه اللتين بدتا لشدة تحديقهما بي وكأنهن عيون أحد محققي وكالات الاستخبارات وقلت: أنا لست ضد مفهوم تعدد الزوجات نفسه فهناك قلة قليلة ممن يطبقون هذا الزواج بطريقة عقلانية غير هدّامة، ولكن الغالبية الساحقة جعلوا من هذا المفهوم تطبيقاً عملياً للظلم ونكران الجميل حتى صار عقيماً بشعاً وضرره على مستوى العلاقات الأسرية والاجتماعية أكثر من نفعه.
قال بغضب: ماذا؟! ظلماً بشعاً وفيه نكران الجميل؟! باعتقادك إذاً أن من يتزوج بامرأة ثانية فقد أنكر الجميل وارتكب ظلماً بشعاً في حق زوجته؟
لم أعر انتباهاً لانتقائيته البعيدة عن فحوى ما قلته واستأنفتُ كلامي راغباً في إيصال فكرتي، فأجبت عن سؤاله قائلاً:
موضوع تعدد الزوجات هو شائك بلا شك لارتباطه بمفاهيم دينية وقيم اجتماعية عديدة لهذا يصعب حل لغزه وفك طلاسمه، ومن الجهل إعطاء رأي عام دون فهم ظروف كل زواج بشكل خاص. كما أنه ليس من حقي ولا من حق أحد الحكم على أفعال الآخرين والجزم بأن فلان كان مخطئاً أم مصيبًا، فلا يعلم بذلك إلا علّام الغيوب.
قال: صدّقني أن الرجل لا تكفيه امرأة واحدة، أما المرأة فيكفيها رجلً واحد، ولهذا فقد سن الله حكم زواج الرجل من أربع نساء أما المرأة فمن رجل واحد فقط، وهناك تشابه عجيب بين المرأة والهيدروجين في هذه القضية مما قد يُبسِّط لك المفهوم.
قلت باستغراب مفرط للغاية: المرأة والهيدروجين؟!
قال: نعم نعم اسمعني، المرأة هي أشبه بذرة الهيدروجين، أما الرجل فهو مثل ذرة الكربون.
وفي الكيمياء فإن ذرة الهيدروجين لا تستطيع الارتباط إلا بذرة كربون واحدة في نفس الوقت
أما ذرة الكربون فتستطيع الارتباط بذرة هيدروجين واحدة أو بذرتين أو بثلاثة أو بأربعة كحد أقصى في نفس الوقت.
وهذه هي سنة الله في الخلق!
لم أتمالك نفسي من الضحك بشدة حتى كدت أن أقع على الأرض من هذا التشبيه الذي لا يخطر على البال، ولست أدري إن كان قالها مازحاً أم جاداً، ولكن علي أية حال فإنه من طبيعة الإنسان القيام بتطويع أي دليل أو مثال أو تشبيه أو أي شيء آخر سواء أكان منطقياً أم لا في محاولة لتبرير ما يرغب فعله من أجل أن يبدو سلوكه عقلانياً لا غبار عليه ولا لائمة
قلت له بعد أن أوقفت ضحكاتي بصعوبة: يا عزيزي دعنا من تشبيهاتك المضحكة واسمعني قليلاً.
غالبية الرجال الذين يرغبون بتعدد الزوجات هم يسعون لذلك هرباً من فشل زواجهم الأول العاطفي أو الجنسي أو الفشل بتربية الأبناء!. ومن الندرة بمكان أن تجد رجلاً سعيداً في حياته الزوجية الناجحة وتراه يفكر بالزواج من أخرى. وبدلاً من أن يذهب هؤلاء لمستشار أسري يساعدهم على ترميم علاقاتهم الزوجية المهدَّمَة فإنهم يلجأون لخيار تعدد الزوجات ظنّاً منهم بأن ذلك سيجعلهم سعداء.
قال مُستَفَزّاً: ليست المسألة كذلك، القضية كلها باختصار هي أن الرجل لا تكفيه زوجة واحدة لتلبي رغباته الجنسية لذلك هو يرغب في تعدد الزوجات.
ابتسمتُ بمكر هذه المرة وقلت: إذاً فغايتك من الزواج بفتاة أخرى هي تفريغ شهوتك الجنسية فقط؟!
هل تظن أن الأنثى هي آلة لتحقيق مآرب جنسية وحسب؟ لِم لا تنظر للزواج من جانب نفسي واجتماعي وتربوي وغيره؟ هل تظن بأن الموضوع هو مجرد علاقات جنسية عابرة ثم ينتهي كل شيء؟! هل ستتمكن من إعطائها الوقت والاهتمام لتُشبع حاجتها العاطفية والنفسية؟ هل ستساعدها على تربية ما قد تنجبه لك من أبناء؟ أم أنك ستنسى كل ذلك وتركز على غاية الجنس؟!
توقفتُ قليلاً لأدعه يفكر فيما قلته، ثم تنهدتُ وقلت بهدوء:
هل تظن يا عزيزي بأن زوجة أخرى أو ثالثة أو حتى رابعة يمكنهن سد جشعك الجنسي؟
لم يُجب السؤال، ومضيت في كلامي قائلاً:
سأقول شيئاً قد يزعجك ولكن تحملني قليلاً، هل تعلم أن من يتزوج بأخريات بقصد الإشباع الجنسي غالباً لا يتحقق له هذا الأمر، لأن النهم الجنسي الفائق عن الحد الذي لا يشبعه زوجة طبيعية واحدة هو مشكلة نفسية أكثر منها مشكلة جسدية، وعلاجها لا يكون بالحصول على المزيد من الجنس، بل يكون بالذهاب لأقرب مستشار نفسي فقد يكون هذا نوعاً من الهوس والإدمان الجنسي الذي يحدث للفرد نتيجة تعرّضه لتحرش أو اعتداء جنسي أثناء الطفولة أو قد يكون نتيجة لمتابعته المستمرة لمقاطع مثيرة جنسياً كالأفلام الإباحية أو الرقص المُهَيِّج أو ما أشبه
حملقت عيناه تعلوها الدهشة وكأنه صُعِق مما قيل، ثم بدأت علامات الغضب والتوتر تبدو على وجهه شيئاً فشيئاً ولكنه بقي على صمته منصتاً.
أكملت: سأختم كلامي بسؤال أخير: ماذا سيكون حال زوجتك وشريك حياتك حيال زواجك الثاني؟
رفع رأسه بزهو ونرجسية وكأنه كان ينتظر هذا السؤال الذي قد جهّز إجابته سلفاً وقال:
ليس من شأنها، فزواجي من أخرى هو أمر يخصني وحدي فقط
أشحتُ عنه باستنكار واستياء وقلت: ليس من شأنها؟! تلك الفتاة التي شاطرتك أجمل سنوات عمرها وأفنت شبابها وجمالهاً معك. تلك التي قد أحبَّتك ورَضِيت بك يوم تقدمتَ لخطبتها رغم ظروفك المتواضعة. تلك التي تحمّلَت ضعفك وصبرت عليك حتى قويتَ وامتلكتَ المكانة والمنصب الذي أنت عليه الآن.
وفي المقابل كنتَ أنت قد حرمتها من إكمال التعليم ”بحجة الأمومة“ ومنعتها من العمل ”بحجة تربية الأبناء“ حتى أصبحتْ ذليلة ضعيفة لا تقوى على شيء دونك، فلم تعد تملك الجمال ولا هي تملك المال ولا العلم ولا المكانة الاجتماعية ولا شيء، كل ذلك من أجلك وبسببك. ثم يكون مكافأتك لها هو أن تتزوج بأخرى رغماً عنها وتضعها أمام الأمر الواقع لتتقبله بمرارة وتقول لها بعنجهِيَّة: هذا ليس من شأنك؟! أنت هنا تُصبح كمن بصق في البئر الذي روى ظمأه طوال حياته.!
يا صاحبي، لا تكن أنانياً تفكر بنفسك وحاجتك فقط، انظر للموضوع من كل الجهات وفكر بعقلانية لا بشهوانية.
أطبقَ صامتاً مذهولاً وكأني فتحت عينيه على حقيقة لم يفكر بها ثم رفع صوته عالياً وقال:
ما تقول هالكلام إلا لأنك تخاف من زوجتك يا الخروووف! وغادر!