هل حقاً سنبيع أرامكو؟ «5»
هناك من ينظر لطرح حصة من أرامكو «نحو 5 بالمائة» في اكتتاب عام باعتباره مقدمة لطرح حصص إضافية مستقبلًا، وهناك من ينظر للنفط باعتباره المصدر الرئيس للدخل والممول للتنمية عبر عقودٍ متتابعة. كما سبق أن بينت هنا، تتفاوت الآراء حول بيع حصة من أرامكو، لكن الأمر أكثر من مجرد الحصول على «كاش» لتمويل صندوق الاستثمارات العامة، باعتبار أن الطرح سيفتح آفاقًا جديدة أمام شركة أرامكو، لتخرج من كونها شركة نفط حكومية إلى شركة «طاقة وبتروكيماويات» عالمية. ثمة فرق كبير بين الصيغتين.
ولا شك أن الوضع المريح للعديد منا هو الإبقاء على الوضع القائم «status quo»، في حين أن سلوك الطرق الجديدة وغير المألوفة فيه مكابدة ومخاطرة، لاشك. عنوان المرحلة التي نعايشها حاليا، التحول من الريع للإنتاج، هذا هو مرتكز «رؤية المملكة 2030». هناك من يهاب المخاطرة ويبقى أسير تهيبه. وهناك من يهاب المخاطرة ويسعى للتعامل مع المخاطر تعاملًا يَحدّ منها. إن بقينا أسرى لمخاوفنا فلن نتحول من الريع للإنتاج، والسبب أن هذا التحول بحد ذاته يتطلب منا أن نُغيّر ما اعتدنا عليه لنحو سبعة عقود؛ بيع النفط وأودع الحصيلة في الخزينة وأنفق منها، وكرر ذلك كل عام، عام بعد عام! وشاهدنا جميعا أن ذلك يعني أننا أسرى لما يجلبه «المحصول» من ريع؛ سنوات عجاف وأخرى سمان ثم أخرى عجاف وهكذا في صعود وهبوط.
النقطة هنا أن في «الإبقاء على الوضع الراهن» مخاطرة دون أي أفق لتطور اقتصادي جوهري، كما أن في التحول مخاطرة لكنها مخاطرةٌ تنطوي على افق لتحقيق تطور اقتصادي جوهري. هذا هو الفرق! ولا جدل أن ثمة خيارات عدة لتحقيق التحول المنشود، لكننا الآن أمام «رؤية المملكة 2030» وبرامجها المتعددة التي تسعى لتحقيقها ومنها برنامج طرح أرامكو وبرنامج التحول الوطني وبرنامج التوازن المالي، وبرامج أخرى عديدة.
وأن أعود لأقول ان توجه الشركة للتوسع في أنشطة القيمة المضافة سيحقق لها، وبالتالي للاقتصاد السعودي ولتنوعه، آفاقًا أرحب، ولا سيما أن مبادرات أرامكو هي مبادرات مع شركاء هم الأكبر في العالم، بل يمكن القول ان هذه الشراكات يمكن اعتبارها اتفاقات الجيل الثالث، بعد اتفاقات المملكة مع الشركات الأمريكية لإنتاج النفط، ثم اتفاقات المملكة مع الشركات العالمية لتصنيع البتروكيماويات السلعية «من خلال شراكات مع سابك»، أما الجيل الثالث فاتفاقات أرامكو السعودية مع شركات من وزن توتال وداو كميكال وسواهما للتصنيع المتقدم في مجالات متعددة ليس أقلها أهمية تصنيع الكيماويات المتخصصة.
أرامكو قوة دافعة، كانت في مرحلة سابقة ولا تزال تمدنا بالمال، وحاليا وبعد أن اكتسبت خبرة وحنكة، فبوسعها أن تمارس دورًا إضافيًا وجوهريًا، لكنه متطور نوعًا، إذ انها لا شك ستواصل دورها كممول رئيس للخزانة العامة، لكنها في نفس الوقت ستمارس دورًا إضافيًا في تحفيز نمو القطاع غير النفطي، من خلال استقطاب مستثمرين إضافيين؛ إما من خلال مبادراتها مباشرة، مثل مبادرة «اكتفاء» للمحتوى المحلي، أو باستقطابها لمستثمرين لإقامة مشاريع مشتركة في المملكة بما يعني ضخًا استثماريًا في الاقتصاد وتوليد وظائف، أو بصورة غير مباشرة بأن تصبح «حفازًا» يدفع وينشط برنامج التحول الوطني، وهو برنامج طموح يسعى ليحقق - ضمن أمور أخرى - تحويل الاقتصاد السعودي من الريع إلى الإنتاج. إذ ليس محل جدل، أن أرامكو تمتلك مفاتيح كثيرة لفك انسدادات عدة تمنع اقتصادنا مع إطلاق قوته الكامنة، ولا سيما ما يتعلق بتحسين تنافسية مناخ الاستثمار.
هناك من يريد أن ينظر للمبادرات من منظور الصفقة، أي «بيع وشراء»، فقد تكون هذه النظرة حقيقية لكنها لا تنطوي على الحقيقة كاملة، فطرح جزء من أرامكو للاكتتاب ليس مجرد بيع أسهم وتحصيل «كاش»، بل الأمر يتجاوز ذلك، فهو أمر له توابعه وتداعياته. فريق يتخوف من تلك الداعيات، وفريق يتعامل مع تلك المخاوف. المرحلة المعاشة تقوم على نهوض الاقتصاد باعتباره يملك معطيات القوة والقدرة للتجدد ولقيادة المنطقة برمتها، كمرتكز للنمو وللتنوع وللمنافسة، إن نجحنا فسنمسك بتلابيب النفط، بعد أن أمسك بتلابيب حياتنا طويلاً.