الأيام العالمية بين الاحتفاء والاختفاء
تحت إرادة كاملة تسعى لتحقيق شعار هذا اليوم العالمي، وشرط الحرص التّام الذي يسعى إلى «تنجيز» رسالة وأهداف هذه المناسبة في الواقع الخارجي بالمستوى الذي يمكن وصفه بأنه تطبيق فعليّ لمحتوى الرسالة بما يساعد فقط ليس على إيقاف الصراعات بل ومنعها …
في الوقت الذي نلحظ فيه أن الشعاراتية، كأسلوب وكمنهج، غدت هي السلعة الرائجة في نشر عديد من المفاهيم، إلّا أنّ الحجم اليسير الذي تحققه كثير من تلك الشعارات المواكبة لرسالة هنا وأخرى هناك، صار من المحتويات المتكاثرة التي تصيب بني آدم بالملل، إلى الحدّ الذي لا يسعه أن يستمع لأي برنامج حواري عن مناسبة عالمية، طالما تكثّرت أصداء شعاراتها، لكنّ البصير بما تحقق من هذه الشعارات، لا تحفّزه النتائج السابقة، التي تغنّى الشعار نفسه بها، وطَرُبت الفضائيات بجرسه الذي سبكته إدارة حديثة في صناعة هذه الأدوات، وأسبغت عليه من ثراء الوعود، وجمال المقاصد والغايات، حتى خبا وكبا، وعاد بلا صدى ولا رنين تشهق به أجراسه، ولم تنفع وترياته ولا نحاسياته.
ولكن لِمَ باتت هذه الشعاراتية مدرسة صمّاء، وفضاءاتها بكماء؟.. مثل هذا السؤال يتوارى خلفنا ولا يظهر فترة تسويق شعار ما؛ لأن طبيعة تسويق الشعار تمتلك القدرة على تعطيل أجهزة التأمل والتحليل داخلنا كمتلقيّن وقع علينا دور الاستقبال ولا غير، فيما يتوجه صاحب الرسالة بتكرار مقصود، يستنفر فيه جميع قدراته وإمكاناته البصرية والسمعية، وفق منهجية نفسية تحقق له تلقين الشعار في كل عقل باطن، على طريقة الإعلانات التجارية ذات السيناريوهات والبصريات التي تملأ ليس فقط أنصاف أكوابنا، وإنما تملؤها حتى الحافّة، ولكن هذا الامتلاء ليس إلا مائع فيزيائي تخدعنا جزيئاته وتتودد سطحياتنا ذرّاته.
أمس هو اليوم العشرون من فبراير، وهو اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، وجاء هذا العام 2017 حاملاً موضوع: «منع الصراعات والحفاظ على السلام من خلال العمل اللائق»، والمحتوى العام لهذا اليوم العالمي جدير بالإشادة، لكن تحت إرادة كاملة تسعى لتحقيق شعار هذا اليوم العالمي، وشرط الحرص التّام الذي يسعى إلى «تنجيز» رسالة وأهداف هذه المناسبة في الواقع الخارجي بالمستوى الذي يمكن وصفه بأنه تطبيق فعليّ لمحتوى الرسالة بما يساعد ليس على فقط إيقاف الصراعات بل ومنعها، بما يحافظ على السلام الجمعي والسلام الذاتي من خلال توفير فرص العمل اللائق، والعمل الكريم الذي يعطي العامل والموظف حقوقه دون امتهان أو غبن هو مقصد نبيل وذو قيم بالغة الأهمية أخلاقياً وإنسانياً، وجميع الأديان السماوية تحترم هذا الأمر، وفي مقدمتها ديننا الإسلامي الحنيف، الذي يمنع استغلال الطرف الأقوى في معادلة صاحب العمل - العامل، بكل تصنيفاته الوظيفية، وفي جميع المهن والحرف المتخصصة والفنية واليدوية.
وقطعاً فإن مؤشر تخطّي خط الفقر هو دليل على غياب تطبيق مفهوم العدالة الاجتماعية وتوفير الفرص المتكافئة في مجال العمل. وهذا عنوان رئيس لكثير من الأوبئة الإنسانية التي منها الفساد الإداري والمالي، أو الاستئثار بالنفوذ وتقريب وتوظيف ذوي القرابة أو الصداقة وما أشبه، بينما يتم إبعاد أو إقصاء غيرهم، بالرغم من أن اللوائح والنظم في جميع البلدان تمنع مثل هذه الممارسات التي تقصم ظهر البلدان التي تشيع فيها هذه الأمور، ولا يصلح الحال فيها ما لم يتم التصدّي الصادق لكل مظهر فساد أو إفساد. والأخبار العالمية تطالعنا كل فترة بأخبار من هذا النوع في أكثر من بلد، وليس في البلدان الفقيرة أو المتوسطة اقتصادياً فقط، وإنما حتى في البلدان المزدهرة، التي تعتبر من الاقتصادات الكبرى، والناجحة في مجالات التكنولوجيا والصناعة.
وفي موقع الأمم المتحدة، يتم تعريف مفهوم العدالة الاجتماعية بأنه: مبدأ أساسي من مبادئ التعايش السلمي داخل الأمم وفيما بينها، وهو الذي يتحقق في ظله الازدهار. وهذا يشير إلى أن ترسيخ هذه المفاهيم واقعياً، تكون ثمرته كبيرة، ويسعد الجميع تحت ظلاله، ويأكلون من ثماره.
كما يورد الموقع نفسه ما نصّه: وبالنسبة للأمم المتحدة، يشكل السعي إلى كفالة العدالة الاجتماعية للجميع جوهر رسالتنا العالمية ألا وهي تحقيق التنمية وصون كرامة الإنسان. ولكن هل هذا السعي متحقق فعلاً، أم إن هذا لا يزال على مستوى الشعار الإعلامي فقط.
هذه المناسبة وغيرها من المناسبات التي توصف تارة بالأيام الدولية أو قد تطلق عليها أسماء أخرى، كانت وما زالت في أغلب مراحلها لا تتجاوز مرحلة الاحتفاء الأوّلي في كثير من البلدان التي لها عضوية في هذه المنظمة الأممية الأولى في العالم.
ويعود بنا السؤال مرة أخرى، هل يصعب على كثير من البلدان تحقيق إدارة صحيحة لكل هذه المفاهيم التي ترتبط عالمياً، تحت قبّة الأمم المتحدة، بأيام عالمية ما زالت تتكرر في تمثيلية دور الاحتفاء، بينما في كثير من الأوقات والبلدان تعيش سبات طور الاختفاء.