النميمة قنبلة اجتماعية
قال تعالى: ﴿هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ﴾ «القلم الآية 11».
التعاليم الدينية في وجهتها الاجتماعية تدعو إلى إقامة علاقات وروابط ناجحة، تقوم على الاحترام المتبادل ونسج الثقة والتكاتف بين أفراد المجتمع، وقد حذرت من كل ما يسيء ويخرب تلك العلاقات أو يعرضها لهزات تصيبها بالضعف والخلاف والكراهية وقد تنتهي بالقطيعة.
وللكلمة الطيبة والصادقة في مسارها الإيجابي دور في تقوية العلاقات وازدهارها، وفي المقابل فإن كلمة السوء تؤدي دورا تدميريا تحيل تلك العلاقة إلى هيكل خاو لا عماد له، ومن تلك الفيروسات اللفظية الخبيثة هي النميمة والسعي في إفساد الود الاجتماعي والأخوي، من خلال نقل الأخبار والأحداث التي يغيب عن مشهدها مع ذكر أسماء من تقولوا بها؛ أملا في إيغار قلبه وقلبه لصفحة سوداء تجاه أصدقائه أو أحد أفراد أسرته، وتبدأ حالة التوتير والشحن النفسي تجاه الآخر، وتتحكم في علاقة الأطراف المتخاصمة مستقبلا حالة الكراهية والأحقاد التي لا تخفت جذوتها!
والأثر الاجتماعي المشاهد بالوجدان للنميمة لا يخفى على الأذهان، فكم من الخلافات وحالات القطيعة المستمرة لسنوات كان سببها مولد فتنة استغل الظروف بشكل ماكر، وزرع الشقاق والبغضاء بين المتحابين وأفسد المحبة بينهم.
وهذا المرض القلبي يتأسس على خبث النفس وترصدها للوئام المنتشر بين الناس فيسعى لتقويض أعمدته، ويعمل هذا النمام على بذر الخلافات وتأجيج الفتن بما يبثه لسانه الحاد والفتاك، معتمدا على مختلف وسائل تزوير الحقائق.
وبلا شك فإن التحليل النفسي يكشف عن حالة من الضعف النفسي تعتور النمام، فيسعى لتعويض النقص الذي يعاني منه، فعدم قدرته على تحقيق إنجازات تقفز به إلى قمة النجاح والإنجاز، يدعوه إلى تسقيط المتفوقين والوجهاء علميا وأدبيا ومهاراتيا، فلا يشفي عقله المريض سوى رؤية دخان الخلافات عاليا ويغطي بسحابه الكالح كل البيوت!!
وأول أسلحته الفتاكة هو الاتكاء التام على الكذب وتغييب الحقيقة، فينسج من خياله المريض ما يوغر القلوب ويؤججها ويستبدل ما فيها من طيبة بالأحقاد، ويسعفه في طريق الباطل كثيرا وجود نفوس ضعيفة لا تبحث عن الحقيقة، وتستمع بإنصات لقول السوء والسعايات المخربة دون أن يكلف نفسه - ومن منطلق الحقوق المتبادلة - بالتحقق من صدق ما يبثه الوشاة، وما أكثر الزخارف القولية والكلمات الفتنوية التي يرميها النمامون في المجالس.
ومن أهم ملامح شخصيته هو الصبغة التلونية «النفاق الاجتماعي»، فيبدو بابتسامته الصفراء وكلامه المعسول وكأنه الودود الشفوق الذي تهمه مصلحتك، وكلامه القبيح عن الآخرين - والذي يغلفه بكلمات المحبة - ينطلق من باب النصح والتنوير والإحاطة بما يدبره الآخرون من مؤامرات ومكائد تجاهه، ويكشف له ما تحتمله قلوبهم من ضغائن!
ولا يجد النمامون شخصية مرموقة تخط طريق النجاح بخطى ثابتة ووازنة، وتسعى إلى تحقيق التقدم والازدهار لمجتمعها بما تحمله من فكر وخطط تنموية، إلا ووضعوا العصا في عجلة التقدم والتألق، ونصبوا فخاخ مكرهم وخطط التخريب والإفساد لجهوده، من خلال بث الأكاذيب والانتقاص من إنجازاته، ويترصدونه بكل ما يعرقل مسيرته ويشوه شخصيته وأهدافه؛ أملا في كسر إرادته وعزيمته.