الأمطار تكشف المستور
شغلت الآثار المؤلمة المترتبة على هطول الأمطار طوال الأسبوع الماضي اهتمام الناس في المجالس والديوانيات ووسائل التواصل الاجتماعي وصفحات الجرائد، كل ذلك بسبب ما خلفته من أضرار بشرية ومرورية وما كشفت عنه من ترهل وضعف في البنى التحتية القائمة. يدفع المواطن ثمنا عاليا وتكلفة كبيرة جراء هذا الدمار الناتج من فشل الإدارات المعنية في معالجة هذه الأزمة المتكررة في مختلف مناطق المملكة بصور مختلفة. ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي من فيضانات متواصلة في الشوارع والأنفاق وغرق العديد من السيارات وتعطلها، وكذلك العديد من المباني كبعض المدارس والجامعات والمستشفيات، وتوقف الحركة المرورية في عدة أحياء، كل ذلك يمثل نماذج من هذه الأوضاع السيئة التي سببتها الأمطار وعدم القدرة على تنظيم تصريف مياهها بصورة سليمة.
وحتى يتضح حجم المشكلة علينا أن نعرف أن «29» مدينة في المملكة مهددة بمياه الأمطار، وأن مشروعات تصريف مياه الأمطار لا تغطي سوى «50%» في المدن الرئيسة و«10%» في المحافظات - كما ورد في تحقيق نشرته صحيفة الرياض عام 2015م أي قبل سنتين. وهذا يعني أن أمامنا شوطا طويلا كي نتمكن من الوقوف على أبعاد هذه المشكلة ومعالجتها نهائيا.
الجميع يتساءل، أين تكمن المشكلة مادامت الأمطار التي تسقط في بلادنا موسمية وليست متواصلة، وأنها ليست بذات الكثافة التي تسقط على بلدان أخرى؟ ولماذا تتكرر هذه المآسي لدينا سنويا دون أن نتمكن من إيجاد حلول جذرية حتى ولو تدريجية لتصريف مياه الأمطار؟ ولماذا تقف الجهات المعنية مكتوفة الأيدي وغير قادرة على المبادرة في القيام بأي دور وكأن الموضوع طارئ ومفاجئ؟ ثم إلى متى تستمر هذه المشكلة قائمة، وما هو المطلوب لعلاجها؟
بداية أقول، إننا طوال فترة هطول الأمطار لم نسمع من مسئول له علاقة بالموضوع أنه قام بصورة مباشرة بمشاركة الناس في هذه المشكلة عبر لقائهم والحديث معهم، والوقوف على موقع الحدث، إن غياب المسئولين عن التفاعل والتعاطي المباشر مع المواطنين وإبراز ما يقومون به لمعالجة مثل هذه القضايا، وتوضيح خططهم وبرامجهم، وتوعية المواطنين بالاحتياطات المطلوبة، ومد يد العون مباشرة للمتضررين سيساهم بكل تأكيد في تعزيز موقعيتهم وتحملهم دورهم الوظيفي.
العنصر الأبرز في استمرار هذه المشكلة سنويا يتركز في غياب التخطيط الاستراتيجي لقضية تصريف مياه الأمطار، فلا أعتقد أن هناك خطة بعيدة المدى لكل مدينة وقرية لمعالجة هذه القضية، يتم العمل عليها بشكل تدريجي سنويا. فمشاريع تصريف مياه الأمطار تبنى على عوامل لوجستية لا ترتبط بخطة استراتيجية متكاملة، بل على جاهزية المواقع مثلا، كما أن بعض المشاريع تتوقف عند نقطة معينة دون ان يتم استكمالها، فتكون عديمة الجدوى وتكون الشبكة المنفذة فيها غير ذات فائدة.
مشكلة أخرى هي في ضعف الرقابة على تنفيذ المشاريع، وحيث إن هذه المشاريع التحت أرضية وتتطلب دقة وإشرافا ومتابعة عالية في تنفيذها كي تقوم بالدور المطلوب، إلا أن غياب ذلك ينتج عنه عيوب كبيرة في الشبكات تبرز وقت الحاجة لاستخدامها. ففي كثير من الأحيان لا تراعى مناسيب الميلان في الشوارع بشكل دقيق، وكذلك عدم الاهتمام بحجم أنابيب الشبكة وطرق تنظيفها وصيانتها دوريا، حيث تتعطل بعض نقاطها مما يؤثر على مسار الشبكة ككل.
ثالثا عناصر هذه القضية هو غياب التخطيط المسبق لحالات الطوارئ، فمع تقدم وسائل التقنية الحديثة والقدرة على المعرفة المسبقة للأرصاد الجوية بصورة تقريبية، إلا أن الكل يتفاجأ بمياه الأمطار وكميتها وكأنها لم تكن متوقعة أصلا. فمن المفترض أن تكون هناك جاهزية قصوى عبر توفير الآليات والمعدات اللازمة، وإغلاق الشوارع والأنفاق المحتمل ارتفاع منسوب المياه فيها، واستخدام وسائل مناسبة وكافية لنزح وشفط المياه. وفي بعض الأحيان يكون هناك سوء تنسيق بين القائمين على شبكات الصرف الصحي وشبكات تصريف مياه الأمطار بحيث تكون هناك مياه راجعة ومتداخلة مع الشبكة الأخرى، مما يزيد الأمر سوءا.
إن مشكلة بهذا الحجم وهذه الخطورة والأهمية البالغة بحاجة إلى مشروع وطني شامل تتكفل به هيئة عليا مستقلة تأخذ على عاتقها التكفل متخصصة في هذا المجال وتدرس التجارب المحلية والإقليمية والعالمية وتضع لذلك خططا استراتيجية واضحة.
إن التداخل القائم في مسئوليات التنفيذ والمتابعة والصيانة بين عدة جهات وأمانات هو ما يجعل الموضوع معوما، وغير متقدم، فمع التوسع العمراني والنمو السكاني سنظل نلهث ركضا لمتابعة ومعالجة الاحتياجات المتزايدة من شبكات تصريف مياه الأمطار وخاصة أن الفارق كبير بين ما هو قائم وما هو مطلوب. لا شك أن مشروعا استراتيجيا كهذا يستحق كل اهتمام من المسئولين لحماية الأرواح والأملاك ولتسهيل حياة الناس ولاستثمار مياه الأمطار بالطريقة الأمثل والاستفادة منها بما ينفع الناس.