هل حقا سنبيع أرامكو؟ «3»
تتفاوت وجهات النظر فيما يتعلق بطرح حصة من أرامكو في اكتتابٍ عام، فالأمر، كما عبرت صحيفة ال «وول ستريت جورنال» الأمريكية النافذة، يتعلق بجوهرة التاج الثمينة، فأرامكو تساهم - زائد أو ناقص ووفقا لإيرادات النفط - بنحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي للمملكة في المتوسط، وبذلك تعتبر أكبر مساهم بين الأنشطة الاقتصادية كافة. أرامكو السعودية هي التي تملك امتيازا حصريا للتنقيب واستخراج وتكرير وتسويق النفط والغاز في المملكة العربية السعودية.
وكما سبقت الإشارة، فإن امتلاك أرامكو لحق الامتياز لا يعني مطلقا أنها تمتلك الاحتياطيات وتتصرف بها وفق ما تراه، فالثروات تحت الأرض ملك للدولة، كما هو مبين في النظام الأساسي للحكم، وبصورة أكثر تفصيلا في نظام التعدين السعودي.
ولذا، فإن من يتحدث عن أن طرح أرامكو هو بيع لاحتياطيات وثروة البلاد، فذلك تعبير ينطوي على انفصال عن الواقع، فأرامكو لا تملك الاحتياطي النفطي حتى تبيعه! فضلا، عن أن السائد والشائع في الدول أن تُطلق منافسة على مناطق جغرافية محددة لاستغلال احتياطاتها من النفط طبقا لاتفاقية امتياز بمدة محددة وسارية على منطقة جغرافية محددة ووفق صيغ محددة للاستغلال فيما يتصل بالتصنيع محليا أو التصدير أو كليهما. ولكن تبقى الثروة الوطنية دائما تحت السيادة الوطنية، فمنح الدولة حق الامتياز لشركة يكون من خلال اتفاقية تشتمل على بنود تبين كيفية ممارسة الدولة لسيادتها، كما تتضمن بنودا لنقض الاتفاقية فيما إذا رغبت الدولة في ذلك أو في حال أن خالفت شركة النفط صاحبة الامتياز اشتراطات معينة.
وللدلالة على ذلك من الصفحات الناصعة في تاريخنا التي لا ننساها أبدا، كيف أن الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز آل سعود - رحمة الله عليه - مارس ذلك الحق خدمة لقضايا العرب، في العام 1973، رغم أن أرامكو - في ذلك الوقت - كانت شركة أمريكية، بل كانت أكبر وأثمن استثمار أمريكي خارج الولايات المتحدة الأمريكية، إذ كانت تقدر قيمتها ذلك الوقت بنحو مليار دولار أمريكي، وتدر إيراداتٍ للخزانة السعودية بحوالي 5 مليارات دولار أمريكي سنويا، وكان الناتج المحلي الاجمالي للولايات المتحدة يقدر بنحو 4.562 ترليون دولار. وقتها قرر الملك فيصل قطع امدادات النفط عن الولايات المتحدة للاستخدامات المدنية والعسكرية، بما في ذلك الاسطولان السادس والسابع اللذان كانا يجوبان البحر الأبيض المتوسط. وهذا شاهد جلي كيف فرضت الحكومة السعودية سيادتها على مواردها الطبيعية دون ترددٍ أو اعتبار لاتفاقية الامتياز ولمن خلفها أو أمامها، عندما تتعرض المصالح العليا للخطر.
وحاليا، فأرامكو السعودية هي من يملك الامتياز، ولذا، فإن طرح حصة منها للاكتتاب لا يوجب تنازلها عن ذلك الحق كليا أو جزئيا للآخرين، لا سيما أن الاكتتاب هو بيع أسهم مشاعة مقابل نقد، ومقابل ما سيدفعه المُكتتب من نقدٍ «كاش» سيحصل على شهادة بأسهمه، تماما كما يحدث في أي سهم تشتريه من السوق السعودية «تداول». والسبب، أن أرامكو عندما تُطرح ستتحول لشركة مساهمة عامة، أي شركة أموال. ويُقسم رأس مال الشركة المساهمة «شركة الأموال» إلى أسهم متساوية القيمة، ورأس مال الشركة يعتبر الضمان الوحيد لدائني الشركة. والأسهم قابلة للتداول في أسواق الأوراق المالية، ويجوز التصرف بالأسهم بكافة أنواع التصرف كالبيع أو الشراء دون أن يؤثر ذلك على استمرار الشركة وبقائها.
وفي صناعة النفط والغاز، فالامتياز يعني منح الحكومة لشركةٍ للتنقيب عن المواد الهيدروكربونية وإنتاجها، مقابل أن تدفع الشركة ضرائب مالية للحكومة، أو قد يكون عقد الامتياز قائما على اقتسام الإنتاج، أو مجرد عقد لتقديم خدمات فنية للتنقيب والإنتاج. والأمر شائع حتى في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فمثلا أغلق للتو في سلطنة عمان استقبال العروض لموقعين، أحدهما في اليابسة والثاني داخل البحر، وكان أحدهما امتيازا لشركة نرويجية وقد انقضى أجله دون أن تجد شيئا. وقبل فترة وجيزة كذلك انقضى امتياز شركة «برتيش بتروليوم» البريطانية العملاقة في حقول أبوظبي بعد 75 عاما، لتفوز بالامتياز شركة «توتال» الفرنسية العملاقة. كما أن لشركة بترول أبوظبي الوطنية «أدنوك» شراكة مع توتال وبرتش بتروليوم وشركات أخرى، لاستغلال امتيازات في اليابسة، وشركة أخرى لاستغلال امتيازات في البحر.