آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

الاستغفار بعث روحي

يحيط الضعف بالإنسان في جميع جوانبه البدنية والنفسية والوجدانية، فمتى ما تعرض لظروف ضاغطة ظهر منه ما يكشف واقعه الواهن، ولا يجبر هذا الاختلال عنده إلا من خلال امتلاك فكر ناضج ينظر لعواقب الأمور ويدرس خطواته قبل الإقدام عليها، وله ضمير يردعه عن اقتحام عالم الشهوات والأهواء، بما يرديه في أحضان المطامع في المال والجاه، ويقدمه ضحية سهلة يستجيب لصوت الخطايا دون تردد، فيرتكب الإنسان الضعيف في إيمانه وتقواه الذنوب التي تخزيه وتجرده من الأفضلية والاستقامة، ويتعرض لهجمات وإغراء النزوات وتزيين الشيطان الرجيم فلا يجد من الورع والخشية من الله تعالى ما يحجزه عن ارتكاب الموبقات، فهل يمكن للعناية واللطف الإلهي أن يترك عباده الضعفاء تقوائيا دون أن يهبهم ما يعيدهم لحجزة الإيمان، فتهطل منه دموع الحزن والندم من أماقيهم ما يغير واقعهم السيء والمزري وقد عصوا الرحمن، وينبت على أبدانهم لباس التقوى والطهارة النفسية والتخلص من تبعات الذنوب، ويمحو آثار الجرأة والغواية واستصغار الذنب؟!

نعم إنه الاستغفار الحقيقي الذي يعبر عن مصداقية تغاير ما سبقها، وتنبيء عن حالة وعي ونباهة بعواقب المعصية الوخيمة وما يستقبله في اليوم الأخروي من أهوال وعذاب هوان، فتنبعث منه قوة إرادية يعزم فيها على خلق واقع جديد يصطبغ بنورانية التوبة والأوبة إلى الله تعالى.

والطريق إلى تطهير النفس من أدران المعصية يبدأ من خطوة الوقوف مع النفس والتأمل في أحوالها، والتمعن فيما ستنطق به من كلام أمام عرض كتاب الأعمال من اعتذار يوم تخرس فيه الألسن، فيحاسب نفسه على ما قدم من سيئات وينفتح على طريق التخلص منها، فيقر ويعترف بما جنته يداه وما قارفته من خطايا، ويخط طريقا من الندم الإيجابي.

يعود الاستغفار على نفس العاصي بهدوء وسكينة بعد أن عايش ألم الذنب وإحساس التقصير والضعف أمام غلبة شهواته، فلا يهدأ باله ويرتاح قلبه إلا بعد الشعور بدب القوة والمناعة أمام السيئات، والأمر لا يقتصر على تفريج همه بالتخلص من تبعات الإحساس بالدونية، بل إنه يملأ قلبه بالطمأنينة والثقة بالتدبير الإلهي لشئونه، فلا يسقط وهنا أمام أي بلاء يداهمه بل يوكل أموره لله عز وجل ويعمل ما بوسعه ليغير من واقعه الصعب، فلا يقف صلبا وثابتا أمام الشدائد والأزمات فيتحدى الصعاب إلا من وثق بوعد ربه.

والاستغفار يبعد عن النفس شبح القلق القاتل وهواجس المستقبل المدمرة، فيصبح بعض الناس عرضة للتوتر والاضطراب النفسي المكبل للنفس عن أي عطاء أو عمل، ولا يحمل روح الأمل والتفاؤل بغد أفضل تنجاب فيه غمامة الهم، ويبدأ في استكمال طريق القرب من الله تعالى وتحقيق أهدافه الدنيوية، إلا من مر بتجربة البعد عن الله تعالى والانغماس في الشهوات، فحدثت عنده إفاقة ويقظة تعيد له روح الإحساس بحقائق الأمور ونتائجها.

ولا تجد زادا يملأ النفس قوة كالاستغفار الذي يستجلب له في كل لحظة يستشعر فيها تقصيره أملا برحمة الله تعالى وتجاوزه سبحانه عن خطاياه.