ثقافة المنتصر
يفرض القوي ايقاعه، على الحياة الاجتماعية، فالامكانيات التي يمتلكها، تؤهله لممارسة، ادوار مختلفة، فضلا عن القدرة على استقطاب الكثير، من الاطراف لمساندته، على بسط نفوذه، الامر الذي يمهد الطريق، امام اسكات الاصوات المنافسة، او المغردة بجواره، فالامساك بزمام الامور، يفتح جميع الابواب المغلقة، ويمنح صاحب النفوذ القدرة، على تكريس قناعاته الفكرية، وثقافته الخاصة ﴿فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ﴾.
نشوة الانتصار، تخلق حالة نفسية، فريدة من نوعها، تدفع المنتصر، لانتهاج اساليب متعددة، بحيث يعمد لاستخدام السلطة، في التنكيل بالطرف المغلوب، اذ يحاول في البداية استخدام ”السياسة“، كاسلوب لفرض اردته على الاخرين، والسعي الدائم لبسط قناعاته، في البيئة الاجتماعية، فيما يكشر عن انيابه، ويتحول للاسلوب العنيف، بمجرد بروز ملامح ”الرفض“، او ملاحظة بعض التعثر، في مسيرة مشروعه ”المنتصر“، الامر الذي يتمثل في انتهاج، سياسة التهديد، والتلويح بالعصا الغليظة، باعتبارها الطريقة المناسبة، بعد فشل طريقة الليونة، والبشاشة، في التعاطي مع الاطراف، الممانعة او الرافضة.
تلعب وسائل الاعلام، دورا فاعلا في فتح الطريق، امام تقبل مختلف المفردات الفكرية، والمعتقدات الثقافية، للطرف القوي، فالرفض المبدئي للايمان، ببعض القناعات الفكرية، سرعان ما يتلاشى، مع استمرار الضخ الاعلامي، والتركيز المستمر على المزايا، والمكتسبات، التي تحققها التوجهات الجديدة، الامر الذي يحدث انقلابا كبيرا، في المفاهيم الاجتماعية، باتجاه ”التبشير“، بتلك القناعات الثقافية، بحيث تتجاوز مرحلة الاقتناع، لتصل لمرحلة محاولة، بثها في الاطار الاجتماعي، وتكريسها كمبدأ اساسي، ضمن المنظومة الاجتماعية السائدة.
المغلوب في اغلب الاحيان، لا يجد وسيلة للتعبير، عن قناعاته الفكرية، نظرا لعدم القدرة على البوح، بتلك المعتقدات المخالفة من جانب، من جانب اخر، بسبب حرمانه من الوصول، الى الادوات الاعلامية القادرة، على نشر تلك المفاهيم الفكرية، والثقافية، الامر الذي يجبر في نهاية المطاف، للرضوخ للواقع المر، ورفع الرأية البيضاء، انطلاقا من قاعدة، ”سالم تسلم“ و”الباب اللي يجي منه الريح سده واستريح“.
المهزوم، يحاول في كثير من الاحيان، التقرب من المنتصر، عبر استخدام بعض مفرداته، او تبني قناعاته الفكرية، خصوصا وان اليد الطولى للمنتصر، تؤهله للوصول للطرف الضعيف، مما يجبر الاخير، على تشكيل قوالب خاصة، تناسب اذواق القوي، باعتبارها وسيلة لكسب الرضا، فالخطأ في مثل هذه الحالات مرفوض، وغير وارد على الاطلاق، لاسيما وان الزلة الواحدة، تعني الموت المحقق، مما يجعل المهزوم يحسب الخطوات بدقة متناهية، تفاديا لاثارة غضب صاحب النفوذ.
التاريخ، يتحدث عن سياسة ثابتة، للمنتصر في البيئات البشرية، التي يحكمها بعد نزاعات، مع الاطراف الاخرى، حيث يتحرك منذ الوهلة الاولى، لاعلان الانتصار، في وضع قواعد جديدة، تضع في الاعتبار الواقع الجديد، القائم على مفاهيم مغايرة، تماما عن المرحلة السابقة، ”الناس على دين ملوكهم“، بمعنى اخر، فان صاحب السلطة، يستطيع توجيه البيئة الاجتماعية، باتجاه قناعاته الشخصية، او الثقافية.