آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

الشيخ الخطيب الخباز.. 60 عاماً في خدمة المنبر ورمزاً للإعتدال

«1365 هـ - 1438 هـ»

مصطفى محمد الخباز

عُرف الشيخ الخطيب محمد جمال الخباز بإعتداله وإبتعاده عن الصراعات الداخلية والخارجية، حيث كان من دعاة التآلف والعاملين على وحدة المجتمع والتقريب بين مختلف أطيافه. تميز الخطيب الشيخ بالعمق العلمي في محاضراته إذ يعد من أبرز علماء جزيرة تاروت، ومن أكثرهم إطلاعاً ومعرفة بعلوم أهل البيت والثقافة الدينية، حيث كان الشيخ الخطيب مولعاً بقراءة الكتب وخاصة الحديثة منها ومتابعة الأحداث بإستمرار إلى آخر أيام حياته. تمحورت مواضيع الشيخ الخطيب على ترسيخ العقيدة والدفاع عنها والتركيز على العلوم الحديثة، يعد الشيخ الخطيب من أوائل الخطباء الذين أدمجوا العلوم العصرية في الخطاب المنبري لتدعيم البحث، إذ تعمق في المسائل الفيزيائية والفلكية والكيميائية وغيرها المرتبطة بروايات أهل البيت مما جعل مجلسه محاطا بجوانب البحث التامة العلمية المتناسقة والمرتبطة مع بعضها البعض. تميز الشيخ الخطيب بقوة الذاكرة وصوته الشجي الذي جعل مستمعيه يستأنسون وينجذبون لحديثه.

الشيخ الخطيب محمد جمال بن الحاج عبد الحسين بن يوسف بن أحمد بن محمد بن مرهون آل سرحان الجد حفصي التاروتي الملقب بالخبّاز ولد في جزيرة تاروت عام 1365 هـ  لعائلة ملتزمة دينياً من خيرة عوائل المنطقة. والده الحاج الملا عبد الحسين الخباز من أبرز شخصيات تاروت حيث أرخ له الشيخ فرج العمران رحمه الله في الأزهار الأرجية في الاثار الفرجية. ألتحق الشيخ الخطيب بالكتاتيب في الخامسة من عمره ودرس على يد ابن خاله الملا عبد الكريم الطويل القرآن والكتابة حيث تميز بالخط الجميل المرتب. كان من أوائل الملتحقين باول مدرسة نظامية تاسست في جزيرة تاروت إذ أنهى المرحلة الإبتدائية مبكراً، وبعدها تفرغ لعلوم الخطابة مع ملا عبد الله الحجاج. لازم ملا عبدالله المبشر في الخطابة منذ نعومة أضافره إذ كان عمره ءانذاك لايتجاوز 14 ربيعاً. أثرت ملازمة الشيخ الخطيب لوالده منذ صباه والذهاب لمجالس أهل البيت والإمام الحسين على مسيرة حياته، ليقرر وهو لم يتعدى 15 عاماً التوجه للنجف الأشرف لينهل من نهر علومها في العصر الذهبي للحوزة إبان فترة المرجع الأعلى السيد محسن الحكيم.

درس الشيخ الخطيب عند الشيخ هادي القرشي أخ المؤلف الشهير الشيخ باقر شريف القرشي، كما وتتلمذ على يد السيد حسن القبنجي والعلامة الشيخ منصور البيات وعند جملة من أفاضل العلماء المقدمات والسطوح، زامل أثناءها جملة من أفراد عائلة السيد محسن الحكيم وحضر معهم في نفس الدروس؛ منهم من أستشهد ومنهم من هو في مقام المرجعية. تميز الراحل بحرصه على التعرف على مختلف الشخصيات العلمية والمراجع والقرب منهم. جالس الشيخ الخطيب أثناء تواجده في النجف الأشرف الشهيد الصدر الأول والفيلسوف الكبير الزنجاني ومحمد جمال الهاشمي وغيرهم من فطاحل العلماء.

حرص الشيخ الخطيب على التواجد في القطيف ليسد الفراغ الناتج عن شح العلماء آنذاك وعملاً بقوله تعالى «فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم»، تواجد الشيخ في القطيف لم يمنعه من الإرتباط بحوزة النجف الأشرف حيث تردد عليها بين شهري صفر ورمضان. تنوعت مجالس الخطيب الخباز بعد رجوعه من دراسته المتواصلة في العراق بين القطيف والأحساء والبحرين. أرتقى منابر مساجد وحسينيات العديد من بلدات وقرى الأحساء لمدة 14 سنة خاصة في موسم محرم وصفر وشهر رمضان إذ عادة ما تكتض المجالس بمستمعيه، ليستقر بعدها في بلده جزيرة تاروت والتي طالما تربع على منابرها ومنابر مدن وبلدات القطيف وبكثافة خاصة في فترة عنفوان شبابه وأوجّ قوّته. بعض المجالس قرأ فيها لمدة تزيد على 30 سنة متواصلة من دون انقطاع إلى أن أختاره الله إلى جواره كمجلس خليفة شاخور وأبناءه في سيهات، وحسينية الإمام جعفر الصادق في القديح، ومجلس محمد مكي بن عباس بتاروت. والأخير أحتضن آخر مجلس قرأه الشيخ الخطيب في ذكرى وفاة الحسن العسكري قبل رحيله بقرابة شهر. الشيخ الخطيب من المقربين جداً لجملة من خيرة مشايخ البلد كالشيخ فرج العمران والشيخ منصور البيات والشيخ علي بن يحي المحسن، ودفن بجوار قبر الأخير «غربه مباشرة» في مقبرة مسقط رأسه جزيرة تاروت رحمهم الله تعالى. تم تكريمه من قبل لجنة رابطة خطباء القطيف والأحساء عام 1437 هـ .

أشتهر الشيخ الخطيب بصلة الأرحام والأصدقاء وبالخصوص المرضى والتردد عليهم كثيراً. فعلاقته أيضا بفئة الشباب قوية فطالما شجعهم منذ عشرات السنين على الإلتحاق بالجامعات وخوض تجارب الحياة. كما تميز بدماثة الأخلاق، فدائماً ما يؤنس جلساءه بأحاديثه المتنوعة ومختلف القصص والحكايات الشيقة، كان يكرم الضيف. تردد على السفر للعتبات المقدسة في العراق بشكل مستمر وحج بيت الله الحرام، وكان في مرضه ولهاً لزيارة العتبات المقدسة في العراق بالخصوص كربلاء والنجف لكن مرضه منعه من تحقيق أمنيته.

أقعده المرض سنة ونص عن ممارسة نشاطه الإجتماعي إلى أن وافاه الأجل في فجر يوم الجمعة الساعة 6:07 ص 13 جمادى الأول 1438 هـ  في منزله الواقع في بلدة الربيعية برفقه ابنه جلال والذي طالما كان ملازماً له في حياته وحتى إيداعه في قبره. عاش الشيخ الخطيب لله ومات في الله، فالسلام عليك يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حياً.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
أبو علي
[ القطيف ]: 13 / 2 / 2017م - 9:14 م
تصحيح

تم تكريم سماحته من قبل رابطة المنبر الحسيني بالقطيف و الدمام في الموسم الرابع ليوم الخطيب الحسيني السنوي لعام 1437.