آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

ثقافة الاستجداء

محمد أحمد التاروتي *

استمراء مد الاكف للأخرين، في كل شيء يجلب المهانة، والاستضعاف، فالمرء الذي يستغني عن الاخرين، في الحصول على قوت يومه، او الاعتماد على الذات، في تحقيق الاهداف، يحظى باحترام الاخرين، كما ان المجتمع الذي يحقق الاكتفاء الذاتي، في تأمين احتياجاته ”يأكل مما يزرع“، لا يقع تحت هيمنة الاخر، ”استغنِ عمن شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، وأحسن إلى من شئت تكن أميره“، فسنة الحياة تفرض تبادل المنافع بين البشر، بيد انها تكون وفق قاعدة الندية، وليست الفوقية، حيث يحاول البعض استخدام التقدم، والامكانيات التي يمتلكها، في اذلال الطرف الاخر، مما يجبر على الانصياع لإرادته، ”الاقتصادية - الاجتماعية - السياسية“، ”ذقت مرارات الدنيا فلم أجد أمرّ من الحاجة إلى الناس“.

سيطرة ثقافة الاستجداء، لدى كيانات اجتماعية، ليست مرتبطة بالطبيعة البشرية، بقدر ارتباطها بالمناخ السائد، حيث تلعب البيئة دورا اساسيا، في خلق الظروف المناسبة، للاعتماد على الذات، او الاتكال على الاخرين، فهناك مجتمعات تمارس دور المتفرج، ”الكمبارس“ في مختلف الادوار، التي تشهدها البشرية، سواء على الصعيد التقني، او الاقتصادي، او غيرها، من المجالات العلمية المختلفة، بخلاف المجتمعات الاخرى، التي تمسك بزمام البطولة، في قيادة البشرية، باتجاهات تكنولوجية متعددة، مما يجعلها في مقدمة الامم على الدوام.

الثقافة الاسلامية، تركز على الاعتماد على الذات، في جميع الشؤون الحياتية، حيث تشجع الانسان على العمل، وعدم الاتكال على الاخرين، اذ تعبر عن تلك الثقافة، ب ”كد اليمين“، واحيانا ”الرزق“، وثالثة ”العمل“، فهذه النوعية من الثقافة تشحن النفس بطاقة كبيرة، لمقاومة اسباب الضعة، والكسل، والسعي الدائم، لاتخاذ الاسباب في الحصول، على الموارد القادرة، على تحقيق النهوض بالمجتمع، وعدم الركون، والاستسلام للآخرين، في مختلف المجالات، ”الرزق نوعان: رزق يطلبك ورزق تطلبه، فأما الذي يطلبك فسوف يأتيك ولو على ضعفك وأما الذي تطلبه فلن يأتيك إلا بسعيك.. وهو أيضا من رزقك فالأول فضل الله.. والثاني عدل من الله ”إن الله تبارك وتعالى فوض إلى المؤمن كل شيء إلا إذلال نفسه“

التجربة اليابانية والالمانية، تمثل انموذجا صريحا على القدرة في النهوض، من تحت الركام، فهذه المجتمعات تجاوزت ويلات الهزيمة والدمار، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، مما دفعها للتركيز على الجانب العلمي، لإحداث ثورة كبرى في مختلف الصناعات، الامر الذي اهلها لاحتلال مكانة مرموقة، بين الاقتصاديات العالمية، بحيث باتت اليابان والمانيا من الدول المتقدمة صناعيا، ومن الاقتصاديات القوية.

بخلاف بعض البلدان، التي عاشت التجربة المرة، في تلك المرحلة الزمنية، فالحرب العالمية الثانية شملت الكثير من الدول، سواء في اسيا او اوروبا، بيد ان الدول التي استطاعت تحقيق الانجازات، في مختلف الاصعدة، لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة، اذ ما تزال غالبية تلك الدول، التي اكتوت بنيران الحرب العالمية الثانية، تتلقى المعونات الاقتصادية، من بعض الدول الكبرى، مما يجعلها تحت الوصاية السياسية، من الدول المانحة.

كاتب صحفي