ثقافة الفتنة
﴿الفتنة اشد من القتل﴾ و﴿الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾، هكذا يصرح القرآن الكريم، اذ تمثل هذه السلوكيات، دمارا للعلاقات الانسانية، في المجتمعات، مما يمهد الطريق امام بروز النزاعات، ونشوب الحروب الطاحنة، الامر الذي يسهم في تآكل المجتمع الواحد من الداخل، وبالتالي سهولة اقتناصه من الاعداء في الخارج، فالمجتمع الذي تسوده الفتن، يصبح لقمة سائغة، في ايدى الاخرين، فالعدو لا يحتاج الكثير، من الوقت للانقضاض، على المجتمع المفكك، نظرا لعدم وجود جبهة متماسكة، قادرة على الصمود في وجه الغازي.
التداعيات المترتبة، على بروز الفتنة، في المجتمع الواحد، ليست خافية على الجميع، اذ يكفي زرعها، وتضخيمها بواسطة الاصوات النشاز، او وسائل الاعلام، حتى يتحول الوئام الى عداوة، تأكل الاخضر واليابس، الامر الذي يفسر حرص المجتمعات، والدول على اختلافها، في تحصين الجبهة الداخلية، والحيلولة دون اختراقها، بالاعلام المعادي، خصوصا وان شق الصف الواحد، يخلق مشاكل اجتماعية، واقتصادية، وسياسية، مما يتطلب جهود، وموارد مالية ضخمة، لاعادة اللحمة الواحدة للتماسك مجددا.
عملية اختراق المجتمع الواحد، واحداث شرخ واسع، في جدار الكيان الاجتماعي، لا تظهر بصورة مفاجئة، فالعملية تبدأ تدريجيا، وتتسع رويدا رويدا، حيث يتحمل مسؤوليتها بعض الافراد، سواء بدواعي شخصية، او لاطماع دنيوية، ﴿لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾، ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ﴾، اذ يحاول الطرف المعادي، استثمار مثل هذه الظواهر السلبية، لدى بعض الافراد، سواء عبر تضخيمها في الاعلام، واحداث تموجات واضحة، في العلاقات الاجتماعية، او من خلال استمالة تلك الشخصيات للعمل، ضمن المشروع التخريبي، لتكريس الانقسام في الصف الواحد.
معالجة بؤر الفتن تتطلب وعيا كبيرا، من لدن المجتمع الواحد، خصوصا وان الانزلاق باتجاه توسيع دائرة الفتن، عبر النفخ فيها بشتى الوسائل المختلفة، يحدث امراضا اجتماعية عديدة، ولعل ابرزها انتشار البغضاء، والحقد في النفوس، مما يمهد الطريق امام نشوب عمليات قتل، واراقة الدماء، حيث يحرص ارباب الفتن على نفح النار، من تحت الرماد، لاشعالها لتحرق الجميع، من اجل الوصول الى ان المآرب الشخصية، او الانقضاض على المجتمع، والتحكيم فيه سواء بصورة مباشرة، او غير مباشرة.
اشعال شرارة الفتن، في المجتمع يحمل في طياته، مخاطر كبيرة، فهي لا تحرق شريحة صغيرة، بل تشمل البيئة الاجتماعية، فعدم القضاء عليها في مهدها، يعني انتشارها بصورة واسعة، في غضون فترة وجيزة، مما يحول دون القدرة، على السيطرة عليها، وبالتالي فان معالجة الامراض، قبل استفحالها اجدى من السكوت عليها ”دوام الفتن من أعظم المحن“، بالاضافة لذلك فان الاطراف المشتركة في اشعال الفتن، في المجتمع ستكتوي بنيرانها، فالعدو لا يفرق بمجرد استتاب الامر، بين العدو والصديق، سيعمد للقضاء على الاطراف المتحالفة، بعد الانتهاء من تصفية العناصر المنافسة، ”من شب نار الفتنة كان وقودا لها“.