ثورة اجتماعية «16» حسين مني
قال الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم﴾ التوبة 71.
وقال رسول الله ﷺ: «حسين مني وانا من حسين أحب الله من أحب حسينا».
بدأنا بتسجيل أحداث الحلقة السادسة عشر من الثورة الاجتماعية الحسينية مع وصول ابننا إلى الديار سالماً، ومنهياً دراسته الجامعية.
لكنه لم يصل محملاً بالشهادة الجامعية فقط، بل محملاً معها بعقلا متسائلاً منتقداً لكل شيء حوله، بخلاف ما تربينا نحن عليه، من الايمان والتصديق بما يصل إلينا دون تحقيق أو تمحيص.
متسائلاً عن أشياء كثيرة، بدءاً من الأمور اليومية إلى العقائدية والدينية إلى الأحداث التاريخية. وأخذ ينتقد حتى الثورة الحسينية.
كان حديثنا ونقاشنا في أول أيام جمادى الأولى مع وصول الموجة الشتائية الباردة، وفي صالة الدار قبل تناولنا وجبة العشاء.
بدأ حديثه بحضور كل من أمه واخته قائلا: ما هي مقومات الثورة الحسينية وما هو الفرق بينها وبين بقية الأفكار التي تدور حولنا؟!
أرادت أمه أن تتدخل لتدافع عن الحسين من وجهة نظر عاطفية طبقا لما تربت عليه.
فأسكتها قائلا: ألا يقول الله في القرآن الكريم: ﴿أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها﴾ محمد 23، لذا أتساءل عما يدور حولي، لكي يطمئن قلبي.
فأجبتها: أن من حقه أن يعرف ذلك وأن يُرد عليه علميا، فلم تعد العاطفة تنفع للرد على التساؤلات الحائرة.
وعاد ليسأل: بما انك يا والدي تتفهم موقفي، فأجب بما يشفي غليلي!
عندها عادت والدته لتسأل: وهل تحتاج ثورة الامام الحسين إلى مقومات؟!
حسب رأي المحققين فهناك خمس قوانين تقوم عليها ثورته المباركة، ولولاها لما حصل هناك فرق بينها وبين الثورات أو الحركات الأخرى.
وماهي تلك القوانين يا والدي؟
نعم يا ابنتي، إنها ديمومة اليقين، وإلغاء الخصوصية، وتجاوز التضاد، وديمومة الحياة، ونمو الحقيقة.
هنا يتوجب عليك يا حاج ان توضح لنا كل مصطلح على حدة.
نعم يا والدي، وتعطينا على كل مصطلح مثالا حياً من ثورة الإمام الحسين .
فديمومة اليقين كما يقول المحققون: هو اليقين الباقي حيّاً متجسّداً على أرض الواقع المادّي دائماً، الباقي منذ قيام الثورة الى الان، المؤثّر في حياة الناس بنحو من أنحاء التأثير الإيجابي.
صدقت اختي نريد مثالا حيا نستطيع من خلاله فهم هذا القانون!
نعم يا أولادي، يقول المحققون ان الحقيقة الحسينية بقيت بيضاء ناصعة منذ بدايتها ولازالت كذلك، فمنذ قيام حركته المباركة لم يتزعزع ولم يبع موقفه، وحتى أصحابه لم يتغير موقفهم حتى ماتوا جميعا في ساحة كربلاء. ولم يستطع أحد تحوير تلك الثورة لغير أهدافها المرسومة لها حتى ساعتنا هذه. كما فعل سحرة فرعون الذين قالوا له كما جاء في القران الكريم:
﴿فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ طه 72.
على عكس اليهودية التي جاء بها موسى ، فلقد حرفها اليهود بما يخدم مصالحهم.
عندها تسألت ابنتي: هل بالإمكان توضيح هذه النقطة؟
نعم يا عزيزتي، نحن نعلم أن اليهود الذين سكنوا المدينة طلباً للالتحاق بنبي آخر الزمان ومقاتلة الكفار بين يديه، طبقا لما جاء في توراة موسى ، وكانوا يفتخرون بذلك على سكان المدينة، ولكن لما بعث نبي الرحمة محمد ﷺ في أرض الحجاز ومن أصل عربي، تنكروا لما كان موجوداً في التوراة، بل وقفوا مع مشركي قريش يحاربونه. فانزل الله فيهم: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ البقرة «89».
مع انك يا والدي تستخدم القرآن الكريم كدليل ولكن لا ينكر ما تقول لكونها حقيقة تاريخية،
وما هو السبيل الثاني الذي أنتهجه الحسين في تثبيت نهضته؟
السبيل الثاني يا بني هو إلغاء الخصوصية؟
وما هو إلغاء الخصوصية هذا يا حاج؟
يقول المحققون في «إلغاء الخصوصية» أي أن الحسين في حركته تلك تعالى على منطق الانتماءات الهزيلة التي تقلل من شأن الانسان، الذي مكنه الله من استعمار الارض والاستفادة من خيراتها، بغض النظر عن عرقه وجنسيته ومنطقته ولونه. فلقد انضم اليه كبير السن كحبيب بن مظاهر، وصغير السن كعبدالله الرضيع، والمرأة كالحوراء زينب، والشاب كالقاسم بن الحسن، والعبد الاسود كجون. ولم يكن يقدم الانصار ليقتلوا ويستبقي اهله وذويه، بل كلهم عنده سواء. لذا قام الامام الحسين بثورة انسانية ضمت إليها كل أنواع البشر دون استثناء، ولم تكن ثورة هاشمية همها تثبيت أركان دولتها المرتقبة اذا ما انتصرت، ومن ثم تنصيب بني هاشم على سدة حكمها، كما حصل مع الامويون والعباسيون والعثمانيون وغيرهم.
وهل هناك مثال لتلك الممالك من الجانب الشيعي يا والدي؟؟
نعم يا ابنتي العزيزة: من هذه الممالك التي انتحلت التشيع مذهباً هم الحمدانيون والفاطميون والزيديون والصفويون. فلقد اتخذت هذه الحركات من ثورة الامام الحسين غطاءً لها، ولكن كل ذلك كان تثبيتا لخصوصيتها. فكل تلك الحركات وكل تلك الممالك زالت، وبقية الحقيقة الحسينية بيضاء ناصعة لم يستطع أحد تدنيسها.
ما هي الحقيقة الثالثة لثورة الامام الحسين يا والدي:
يقول الباحثون: هو «تجاوز التضاد».
وما هو تجاوز التضاد يا حاج، فانت تأتي في كل مرة بمصطلح يزيد من حيرتنا؟!
يقول المحققون ان تجاوز التضاد هو بقاء ملامح الفكر الحسيني حياً نابضاً مع تقادم الأيام وكرور الليالي، رغم أن حركته هذه قد كتب لها الموت سياسياً لفقدانها كل مقومات البقاء والقوة، وان من يصارعها ويقابلها على الطرف الاخر يملك كل مقومات البقاء من القوة السياسية والعسكرية. حتى أن المنتسبين لثورته كانوا على يقين بالموت المحتم، لكن تلك الدماء الطاهرة لم تذهب هدراً فلقد أروت جذوة التشيع، وأيقظت روح الثورة في قلوب الشيعة بل العالم بأسره حتى يومنا هذا اليوم.
الان جاء دور القانون الرابع، اليس كذلك يا والدي؟!
نعم يا بني: القانون الرابع هو ديمومة الحياة.
وماذا يعني هذا القانون يا حاج؟!
يقول المحققون ان مدار هذا القانون هو الانسان، وغير الانسان يعتبر هباء منثورا. فالممالك التي قامت قبل حركة الحسين وبعدها قامت لتبني القصور والدور، لذا كان مآلها الهلاك والدمار. حتى الحكومات التي تدعي التقدم والتطور في يومنا هذا، فرغم تقدمها وتطورها واستخدامها التكنلوجيا ووصولها الى الفضاء، لم تقم لتبني الانسان وتطوره، وتحافظ على كيانه وكرامته، وانما لتستغله وتوصله الى الدمار والخراب. على عكس حركة الامام الحسين التي قامت لتحرر الانسان من نير العبودية والظلم، قامت لتبني انسانا متطورا متقدما بما للكلمة من معنى.
وماذا يقول القانون الخامس يا والدي؟؟
اراك في شوق كبير لتعرف المزيد يا ولدي، وهذا جيد!
القانون الاخير هو نمو الحقيقة.
وماذا يعني هذا القانون يا حاج لقد شوقتنا لمعرفة المزيد؟!
نعم لم نكن نعرف ان حركة الامام الحسين لها هذا العمق وهذه الفلسفة؟!
نعم ان حركة الامام الحسين لها عمق اكثر مما نتصور وابعد من الدليل العاطفي.
اذا فسر لنا هذا القانون يا والدي؟
نمو الحقيقة الحسينية تعني انها لم تقم وتترعرع على السياسة والعسكرتاريا ولم تنهض على اشلاء الناس كبقية الممالك، بل الحسين رضي ان يهلك هو دنيويا وبقية اهله واصحابه في سبيل ان يبقى الانسان بحريته وكرامته حتى هذا اليوم. فلقد بدأ الحسين وحده في كربلاء والان انظر الى الملايين التي تتبعه وتتوجه اليه.
ولكن يا والدي قد يكون كلامك صحيح ولكن هناك من بدأ وحده مثل بوذا والان ترى كم الملايين التي تتبعه!!
ولكن انظر الى الفرق بين الاثنين.
وما هو الفرق يا والدي؟!
اليس هناك فرق بين بوذا الذي كان محميا من دولة ابيه وعسكره وخدمه، والحسين الذي بدأ بدون دولة تحميه ولا عشيرة تؤويه، لابد ان يكون هناك فرق. اولا يكون هناك فرق بين من حرفت تعاليمه لتناسب أهواء متبعيه، وبين من بقيت تعالميه كما هي لم يستطع احد ان يزيلها.
صدقت يا والدي هناك فرق واضح وجلي. والان هل لي ان اسأل عن؟!
لا، عليك الانتظار الى حديثنا في الحلقة القادمة، فلقد حان وقت العشاء.