آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

المرأة والفيل

منى الصالح

يحكى في قديم الزمان أن فيلاً قد وُلِدَ وَ رُبِطت أحد أرجله برباطٍ طولهُ عشرة أقدام!

وَ عندما تعلم الفيلُ المشي خطوةً، فَرِحَ كثيراً بتلك الخطوة

‏‎فكر بخطوة ثانية

نجح … وخطى الخطوة الثانية وَ نجح في الخطوة الثالثة وَ الرابعة وَ الخامسة.. حتى الخطوة العاشرة..!

‏‎أحس بأن لديه من القدرات ما يجعله يخطو خطوات غير محدودة

‏‎لكن عند الخطوة الحادية عشر قيده الرباط المربوط في أحد رجليه ولم ييأس؛ فغير اتجاهه وَ ذهبَ للشمال وَ عند الخطوة الحادية عشر تعثر

ذهب بعدها للشرق، وَ عند الخطوة الحادية عشر تعثر

كذلك عندما ذهب للجنوب وَ للغرب

‏‎أحس بالإحباط للمرة الأولى في حياته

‏‎عاش وحيداً ضمن دائرة نصف قطرها عشر خطوات..!

‏‎وَ أقنع نفسه بأن هذه قدراته وَ عليه أن يعيش ضمن هذه الدائرة..! عليه أن يفكر ضمن هذه الدائرة..! عليه أن يحب وَ يكره ضمن هذه الدائرة..!

ذكرتني هذه القصة التراثية بموقف توقفت عنده كثيراً حين وصلتني بطاقة دعوة لفرح مكتوب عليها /

«حرم الدكتور» وَ في داخل الدعوة مذيلة ب «حرم فلان وَ حرم فلان» وَ قد سبقها مروري على فاتحة إحدى السيدات وَ قد عُلِقت جدارية على البيت /

«نعي للحاجة، زوجة المرحوم الحاج وَ ابنة الحاج وَ أخت الحاج» وَ قد كُتبت أسماء الأخوة من كبيرهم لصغيرهم..!

وَ لسوء حظ هذه الحاجة أنها لم تُرزق إلا بإناث فلامجال لذكر اسمها

وَ لا ذكر من هم الأقرب لها..!

وَ الذي أثار ذاكرتني بقصة الفيل ليست ذكورية المجتمع وَ لا تهميش دور المرأة باعتبارها إنسانة تتساوى بإنسانيتها مع الذكر، وَ لا سيطرة الثقافة الذكورية على الفقه وَ الفهم الديني لعقود طويلة حتى بات قرآناً مُنزل من الصعب تجاوزه بل حتى إثارة تساؤل فيه..!

الغريب بالأمر حين تتولى نساؤنا منصة الدفاع عن هذه الثقافة وَ تُكيل الاتهامات لمن رفعت راية المطالبة بحقوقها بالخروج عن الدين، أو بالعمالة للمؤسسات المستهدفة تفريغ المسلمين من إسلامهم من خلال المرأة..

نظرةٌ واحدة لمواقع التواصل وَ للكمِ الهائل من الردود على الحملات التي تخرجُ بخجلٍ من هنا وَ هنا مطالبة بإعطاء المرأة حقها الإنساني وَ تُحررها من سلطة الرجل؛ لتتأكد بأن نسائنا أكثر ذكورية من الرجل..!

واعجباه..!

كيف لأم تهاتفني مُحتجة كيف وَ من سمح لكم مناقشة قضايا كقضية ولاية المرأة مع فتاتها الشابة، كيف تعلمونهن أن يخرجن عن وصاية الأخ أو الأب.؟!

تماماً نحن مع شديد خجلي وَ اعتذاري من الإنسانة بأعماقي وَ كل أنثى بهذا الكون وَ أنا أقول أننا كالفيلة..!

رسمت لنا حدود وَ رُبطنا برؤية ذكورية فما عُدنا نرى إلا هذه الحدود وَ أننا الأضعف وَ أن هذه إمكانياتنا وَ لا نستطيع تخطيها وَ هو هذا بالضبط الذي أراده الخالق لنا فكيف نتجرأ على الرب الرحيم..؟!

وَ شيئاً فشيئا.. أصبحت هذه الثقافة واقع لا نستطيع الخروج عنه، وَ كُل من تحاولُ القفز عما اعتدنا عليه تقابل بالهجوم وَ الخروج عن الدين، وَ هكذا شيئاً فشيئا كما هي طبيعة الأشياء إذا لم تستخدم تضمر وَ تضعف وَ تتلاشى، فكيف للمرأة أن تكتسب القوة وَ البصيرة وَ الوعي وَ هي قابعة بين أضلاع مستطيل لا تتجاوزه، من أين لها القوة لممارسة الحق السياسي وَ هي لم تجربه، وَ كيف تأتى لها القوة الجسدية وَ هي صاحبة الجلالة التي لا تملك خيار حتى قرار الالتحاق بمركز رياضي أو قيادة سيارة صغيرة، وَ كيف لا يكون عقلها نصف الرجل وَ هي مصادرة الإرادة وَ القرار خارج أسوار منزلها، بل حتى زيارة والدها المريض مرهون بموافقة الزوج، أي عبودية للمرأة بمفاهيمنا أكثر من اعتبار مجرد مطالبتها بولاية نفسها جريمة لا تُغتفر، وأي جريمة ترتكب بحق الإنسانية وَ نحن نسلبها كرامتها وَ حريتها وَ وجودها تحت مبررات لا يقبلها منطق، سوى تلك الحدود التي أحيط بها الفيل فما عاد يرى من الحياة سواها..!

ألم يأن للمرأة بمجتمعنا أن تتخطى حدود الثقافة الذكورية وَ تثق بقدراتها وَ وجودها الإنساني

فهذا الهوان وَ الخنوع ب ادعاءاتٍ دينيةٍ ليست إلا صور للفهم القاصر وَ الخاطئ وَ الذي يتنافى من حيث لم نقصد مع العدالة الإلهية!