ثقافة التبرير
يمثل التبرير احد الاساليب، للتهرب من تحمل المسؤولية، او القاء تبعات الفشل على الاخرين، فهذه النوعية من الثقافة، ليست جديدة على البشرية، اذ برزت للسطح منذ بدايات، وجود الانسان على الارض، حيث يلجأ المرء لابتكار شتى الاساليب، للتملص من العقاب او الحساب، فهناك طرق عديدة، لا يعدمها العقل البشري، للنفاذ من الطرق الضيقة، المنصوبة في طريقه، من اجل الانتقال من جبهة الدفاع للهجوم.
ثقافة التبرير، قادرة على معالجة الجروح، بطريقة مؤقتة للغاية، فهي لا تعدو مسكنات انية، غير قادرة على انهاء المشكلة، وبالتالي فان المجتمعات الممارسة للتبرير، تعيش على تبريد الازمات، دون القدرة على استئصالها، من جذورها، الامر الذي يتمثل في بروزها مجددا، بشكل اكثر خطورة من البدايات، مما يتطلب استنزاف الموارد البشرية، والمخصصات المالية، فهناك الكثير من الازمات جندت، لها الامكانيات الضخمة لمعالجتها، بعد سنوات من ادخالها، في ”الثلاجة“، كإجراء للتخلص منها جزئيا.
التبرير يتخذ اشكالا مختلفة، فمنها على سبيل المثال، يأتي على صورة تهويل العدو، وعدم القدرة على المواجهة، كما يصرح القرآن الكريم، ﴿قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾، فالآية تكشف بوضوح الروح الانهزامية، لدى قوم طالوت عند اعلان ساعة الصفر، فالتهرب من الوفاء بالعهود، ومناصرة الحق جاء عبر تضخيم، القدرة العسكرية الهائلة، للجيش المقابل، بمعنى اخر، فان الثقافة التبريرية، لتلك الطائفة من بني اسرائيل، برزت على شكل الخشية، من القتل، وعدم القدرة على الصمود، بيد ان الجواب جاء سريعا ﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.
طغيان مفردات التبرير، في الثقافة الاجتماعية، يخلق مشاكل كبيرة، حيث تبرز على شكل ازمات متعددة، وانماط مختلفة، فهذه النوعية من الثقافة، تسهم في تعطيل الحركة الطبيعية للمجتمع، وتحول دون تشكيل العقل التنويري، لدى شريحة واسعة من المجتمع، حيث يفضح القرآن، هذه النوعية من الثقافة المتخلفة، بقوله ﴿قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾، وبالتالي مبررات الذل والاستضعاف، ليست مقبولة على الاطلاق، اذ توجد خيارات عديدة، متاحة للقضاء على المسكنة، عبر الابتعاد عن الدائرة الجغرافية الضيقة، للانطلاق في المحيط المكاني الواسع، الامر الذي يوفر المناخ القادر، على اطلاق الحرية الكاملة، وتجاوز الحدود الادارية، للسلطات السياسية الظالمة.
الركون لمبدأ التبرير، يحطم الارادة القوية، لدى المجتمع، الامر الذي يجعله لقمة سائغة، تتلاقفها الايدي بسهولة، بينما تشكل ارادة المواجهة، ورفض القبول بالواقع البائس، عاملا اساسيا نحو تغيير جذري، يسهم في احداث انقلاب كامل، في المنظومة الفكرية السائدة، فالرضوخ لمبدأ التبرير، وعدم القدرة على احداث تحولات، في نمط الحياة، يكرس البيئة المتخلفة، والمستسلمة للآخر، كما يقول الامام علي ”ليس بلد بأحق بك من بلد، خير البلاد ما حملك“.