ثقافة التقاليد
تمثل التقاليد مدخلا رئيسيا، في تشكيل الثقافة المجتمعية، فهي ترفد مختلف الشرائح الاجتماعية، بالوقود اللازم لمواجهة الثقافات المنافسة، فالتمسك بالتقاليد يصبغ البيئة الاجتماعية، بلون مختلف تماما عن البيئات الاخرى، على المستوى العالمي، حيث تمثل التقاليد احد المرتكزات، في بعض القضايا الشرعية، فهناك الكثير من الاحكام الشرعية، مرتبطة بالتقاليد ”العرف“، بمعنى اخر، فان تحديد مسار الحرمة او الحلية، مرهون بتفسير البيئة الاجتماعية، فالرسائل العملية او بعض الفتاوى، تستند في اكتساب حكمها الشرعي، من ”العرف“، باعتبارها من المواضيع، التي تحدد مسارها، التفسيرات الاجتماعية.
التقاليد الاجتماعية، تحمل في طياتها المزايا الحسنة، وكذلك تحتوى على سلوكيات سيئة، فالمجتمعات الواعية، تتعامل بحرفية وقدرة فائقة، في التمسك بالسلوكيات الجيدة، ونبذ الممارسات الخاطئة، فيما المجتمعات المتخلفة، ترفض مبدأ الفصل بين الصالح والطالح، حيث تعتبر جميع السلوكيات من المحرمات، التي لا يجوز الاقتراب منها، مما يجعلها تقاتل في سبيل منع تنظيف البيئة، من الاشياء الضارة، وابقاء المكتسبات النافعة، ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ﴾.
مبدأ الانسلاخ التام، من التقاليد مرفوض، نظرا لما يحمل من تداعيات سلبية، على هوية المجتمع وتشكيل ثقافته مقابل، الثقافات الانسانية المختلفة، فالدعوة الى نبذ جميع، التقاليد المتعارف عليها، لا تنسجم مع الرؤية المنطقية، اذ تشكل مثل هذه الدعوة انهزامية واضحة، مقابل الثقافات الاخرى، فالمهزوم يحاول تقليد المنتصر، كنوع من المحاكاة، والظهور بمظهر المتطور، حيث برزت مثل هذه الدعوات، خلال منتصف القرن الماضي، فقد ظهرت دعوات كثيرة، تطالب بالانسلاخ، من التقاليد السائدة، باعتبارها من ابرز اسباب التخلف، فعملية اللحاق بركب التطور العلمي، والتكنولوجي، تستدعي وضع العادات المتوارثة جانبا، والانطلاق بقوة باتجاه تبني، بعض العادات الاوروبية، باعتبارها الطريقة المثالية، للانعتاق من عبودية التخلف.
في المقابل، فان التمسك الاعمى بالتقاليد، باعتبارها ثوابت، لا يجوز المساس بها، امر يتناقض مع التطور الانساني، في مختلف المراحل التاريخية، فالبشرية مرت بالعديد من المراحل المختلفة، وعاشت الكثير من التحديات، والمحطات الصعبة، الامر الذي فرض عليها التنازل، عن بعض العادات البالية، والتي لا تنسجم مع التفكير العقلي، فهناك بعض التقاليد، وجودها اكثر ضررا من نفعها، وبالتالي فان الدخول في معارك للحفاظ عليها، لا يخدم البيئة الاجتماعية، بقدر ما يعطل حركة التقدم في المجتمع، فالتمسك بالتقاليد لا يعني عدم المراجعة الدائمة، لبعضها بهدف فرزها، بما يحقق المصلحة، ولا يعرقل مسيرة التطور الانساني.
التقاليد بمثابة هوية بارزة، او علامة تجارية، لمختلف المجتمعات البشرية، فكل مجتمع انساني، يمتلك مجموعة من العادات، تشكلت عبر العقود، وتكرست من خلال التجارب الحياتية، الامر الذي اعطاها القدرة، على مقاومة مختلف التيارات القوية، الداعية للقضاء عليها، فالتقاليد تجد في الغالب مجموعة، تكافح في سبيل الحفاظ عليها، مقابل طرف اخر يتحرك، في اتجاه ازالتها، من البيئة الاجتماعية، باعتبارها من اسباب التخلف والتأخر عن مواكبة، التطور الحاصل، في المجتمعات الانسانية بالعالم.