آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

لو تكاشفتم لما تدافنتم!

عبدالله الحجي *

عجبا لمن ينزه نفسه ويزكيها ويجعلها فوق برج عال ويحيطها بهالة من القداسة والكمال والعصمة، ويسلط منظاره السلبي على الآخرين يفتش عن أخطائهم ويتتبع عوراتهم وزلاتهم. ولا يتورع في أن يكونوا فاكهة مجلسه، ويستمتع بفضحهم وغيبتهم وبهتانهم.

من منا نال مرتبة الكمال والعصمة وأصبحت صحائفه بيضاء ناصعة بلا خطأ ولا ذنب لكي ينسى نفسه ويبدأ في كشف عورات الآخرين بما فيهم وما ليس فيهم، بمجرد تخمين وسوء ظن أو كلمة وردت إلى مسامعه من فاسد ولم يتحقق منها. فإن لم نكن قد بلغنا هذه المرتبة ولن نبلغها، فمالنا وعورات الآخرين وقد ستر الله عليهم وأمرنا الله بالستر. هب وأن الإنسان قد أذنب وأخطأ وزلت قدمه فالله لا يخفى عليه ذلك بل يمنحه الفرصة تلو الفرصة بعد كل ذنب ليتوب ويعتذر فيعفو ويصفح عنه وكأنه لم يذنب.

ما يضيرنا لو سترنا على إخواننا ما انكشف لنا من عوراتهم فلعلها كانت زلة أو هفوة تولى هو أمرها مع من لايخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء؟ ألا نحب آن يستر الله علينا في الدنيا والآخرة؟

وكيف سيكون الوضع لو انتهج كل منا هذه المنهجية ليكشف المستور وينشره على الملأ، وينكشف ما تكنه القلوب من الأمراض المستورة مثل الغل والحقد والحسد تجاه الآخر؟ حتما ستكون النتيجة سلبية وآثارها وخيمة كما قال أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب : ”لو تكاشفتم لما تدافنتم“. حينها لن تجد أحد بريء منزه من العيوب والمعاصي وسينفر كل شخص من الآخر ويعزف حتى عن دفنه بعد موته. وذلك ما يجعلنا نردد في الصلاة على الميت ”اللهم إنا لا نعلم من ظاهره إلا خيرا، وأنت أعلم بسريرته منا، اللهم إن كان محسنا فزد اللهم في حسناته وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته“.

وما أعظم ما ورد عن الإمام الحسين في دعاء عرفة العظيم: ”يا من سترني من الآباء والأمهات أن يزجروني، ومن العشائر والإخوان أن يعيروني، ومن السلاطين أن يعاقبوني، ولو اطلعوا يا مولاي على ما اطلعت عليه مني إذا ما أنظروني، ولرفضوني وقطعوني“

أعاننا الله على أنفسنا لنضع ما اقترفنا بين أيدينا، ونصب أعيننا قبل أن نفكر بتشريح غيرنا والتنقيب عن أخطائهم وعيوبهم والنيل منهم؟، فلنا ولهم إله يتولى أمرنا، ولا نغفل عن أنه كما تدين تدان.