ثقافة الاختيار
يمتلك المرء الحرية الكاملة، في تحديد خياراته الحياتية، وفقا للقانون، وتماشيا مع تطلعاته، وطموحاته، ”المرء خصيم نفسه“، وبالتالي فانه يتحمل تبعات قراراته، فهو وحده الذي سيتحمل ضريبة تلك الخيارات، ﴿وأن ليس للإنسان إلا ما سعى﴾، بمعنى اخر، فان فرض الوصاية، يمثل تدخلا سافرا في مساحة الحرية، التي يتمتع بها الانسان، نظرا لما يمتلكه من قدرات، ومقومات كثيرة تؤهله للاختيار، وفقا للقناعات الذاتية، ﴿بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره﴾.
احترام خيارات الطرف الاخر، امر بالغ الاهمية، في مختلف البيئات الاجتماعية، فالانسان بما وهبه الخالق، من عقل وقدرة، على تمييز الخير من الشر، قادر على وضع الامور في نصابها، او على الاقل التحرك ضمن المساحة، التي يعتقد بقدرته، على الابداع فيها، ﴿وهديناه النجدين﴾، مما يفرض على الاخرين احترام تلك الخيارات، خصوصا وان المستويات الثقافية، والعقلية تختلف من شخص لآخر، الامر الذي يفسر تباين الاتجاهات، في البيئة الاجتماعية الصغيرة، فضلا عن المجتمعات البشرية المختلفة.
يمثل الفضاء الاجتماعي، بيئة خصبة لتطور الاختيار، لدى الانسان، فالبيئات المغلقة تفرض قيودا كثيرة، على حرية الاختيار، مما يدفع المجتمع باتجاه مسار واحد، يصعب الخروج منه، اذ يمثل التمرد على تلك البيئة المغلقة، جريمة كبرى لا تغتفر، الامر الذي يفسر استسلام، بعض النخب الثقافية للبيئة الاجتماعية، نظرا للخشية من التصريح بالقناعات الشخصية، مما ينعكس بصورة سلبية، على تدهور التطور الثقافي، في تلك البيئات المغلقة.
التلويح بالعادات، والتقاليد، احد الاسلحة، التي تستخدمها البيئة الاجتماعية ”المغلقة“، فعملية الرفض لا تمارس بصورة مباشرة، بقدر ما تستخدم اساليب ملتوية، حيث تبدأ بتحريك بعض العناصر ”الجاهلة“، لتشويه صورة الطرف المقابل، من اجل اجباره على انتهاج المسار العام، وعدم اتاحة الفرصة، للتحرك بحرية ضمن خياراته المرسومة، فالانتصار في معركة عض الاصابع، مرتبط بقدرة احد الاطراف، على الصمود لفترة اطول، فالإرادة الصلبة تمثل السلاح، الاكثر قدرة على الصمود، في مختلف المعارك، خصوصا بالنسبة للمعارك ذات الصغبة الاجتماعية، التي تثار بين فترة واخرى.
المجتمع المنفتح على الجميع، وتقبل جميع الافكار، يمثل احد العناصر الاساسية، وراء نمو ظاهرة الاختيار، فالمرء ينطلق نحو الابداع، مع وجود البيئات المساعدة، والمشجعة، اذ يلعب المجتمع حيويا في القدرة، على احتضان جميع، الخيارات البشرية، مما يمكنه من صهر، تلك المسارات باتجاه متعددة، الامر الذي ينعكس بصورة ناصعة البياض، تتحرك باتجاه خدمة كافة، الاتجاهات الانسانية.
ايجاد الارضية الملائمة، لثقافة الاختيار، تمثل احد العناصر الاساسية، للتطور الثقافي، والعلمي، في المجتمعات البشرية، فالقمع يخلق حالة من النكوص والانحدار، بحيث ينعكس بصورة مباشرة، على تكريس حالة التخلف العلمي، والثقافي، فالمرء ينطلق باتجاه تحطيم الحواجز، التي تعترض الطريق، في حال وجد المناخ الرحب المساعد، على الابداع في مختلف المجالات، خصوصا وان الشعور بالكبت والرفض، من البيئة الحاضنة، يسهم في قتل الكفاءات على اختلافها، فالكثير من الانجازات العلمية، برزت للعلن في البيئات الحاضنة، للعقول المبدعة.