الزر المفقود
في يوم ما قد يحدث أن نفقد زرا من أزرار ملابسنا، مما يسبب لنا إزعاجا كبيرا قد يعيقنا عن الخروج. وهذا الأمر وارد أحيانا. ولكن ما لا يمكن غالبا هو أن تجد من يخيط ويصلح لك ذلك الزر في ذات اللحظة.
وإن كنت في حاجه ماسه لعلاج ذلك فإما أن تستبدل ملابسك بأخرى أو تضطر للجوء للخيار المتعارف عليه والسائد. ألا وهو طلب المساعدة من خادمة المنزل التي اعتادت على إدارة بعض من تفاصيل حياتنا إن لم يكن كلها حاليا،،!
وإما إذا أردت الاستغناء عن كل تلك الخيارات فما عليك إلا أن تتعلم كيف تخيط هذه الأزرار بنفسك حتى يتسنى لك الخروج من ذلك المأزق.
قد لا يعد هذا العارض ذو أهمية كبيرة في عين الكثير منا. ولكن حينما ندقق النظر في ذلك من زاوية أخرى سنكتشف أمورا كثيرة متعلقة بحياتنا قد أوكلناها للغير. فبالرغم من صغر حجم ذلك الزر البسيط إلا أنه يخبئ من وراءه جانب من المسؤولية والاهتمام في أدق التفاصيل من حياتنا. وبالنظر والتدقيق أيضا ستعرف أن الوحيد القادر على الانتباه لهذه التفصيلة الصغيرة والتي هي في الوقت ذاته الركيزة الأساسية في بناء اي مجتمع سوى الأم.
تلك هي الأم التي ترعى شؤون حياتنا في أدق وأصغر تفاصيلها، ودون أن نطلب منها ذلك. هي فقط الأم التي تتلمس حاجاتنا عن قرب. إنها ذلك الصدر الحنون الذي يحيطنا دفئا وحبا ورعاية من كل جانب. وهذا ما كانت تحرص عليه أمهاتنا في السابق ولذلك قيل عنها: «الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق»
إن غياب او فقدان الأم ودورها الحقيقي في عصرنا هذا ومدى الحاجة الماسة لعودة هذا الدور، تبرز من حدث بسيط جدا في شكله بحجم صغر ذلك الزر وبكبر الحاجة لإصلاحه!!
الأم هي لبنة الفلاح في هذا المجتمع. فمتى ما اكتملت الأم سلمت المجتمعات. ومتى تخلت الأم عن رسالتها ودورها الحقيقي فقطعا تضيع بعدها الأجيال.
وحيث ما وجدت تلك الأم التي تحرص على إصلاح كل جزئية في حياة من حولها من بداية ذلك الزر المفقود إلى أكبر تفصيله في تلك الحياة. عندها فقط ستسير الأمور بشكلها الصحيح لتخرج مجتمعًا خاليا من الزلل والتفكك الأُسري. ومتى ما غفلت الأم عن ذلك الزر المفقود فهذا يعني إنها أوكلت دورها إلى من ليس كفئا لذلك وبالتالي ضاعت الغاية التي خلقت من أجلها الأم.
حفظ الله الجدات والأمهات الصابرات المضحيات بكل ما لديهن من صحة وحب وقدرة وبذل في سبيل صناعة جيل صلب قوي يتحمل المسؤوليات ويواجه التحديات بكل جدارة وقوة.
تحية إكبار وإجلال لهن جميعا. حفظ الله الباقيات وشمل الله الماضيات منهن بجميل رحمته.
إن بناء الإنسان هو في بناء الأم الواعية المثقفة التي تدرك أن الاستثمار ليس في المال وإنما الاستثمار الأعظم يكمن في بناء أجيال قوية تتحمل المسؤولية في مواجهة الحياة. إلا انه ومهما بلغ هذا القوي من عنفوان سيظل يبحث عن تلك العظيمة التي تتفقد زره المفقود وتصلحه.
«ليتك يا أمي تعودي يوما لأخبرك عن زر قميصي المفقود».