آخر تحديث: 6 / 12 / 2024م - 11:44 ص

الأثرياء و«حساب المواطن»!

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة اليوم

ثمة أسئلة تحيط ببرنامج «حساب المواطن»، هناك من يريد تصوير هذا الحساب باعتباره «استجداء» المال من الحكومة! وهذا أمر مستغرب بالفعل، إذ أن البعض يستثقل أن يعبئ بيانات حساب المواطن، معتبرا أنها استجداء، مستخدما منطقا يدور حول الذات، في حين أن الأقرب أن يفكر الواحد منا وهو يعبئ البيانات أنه يساهم في أن يحصل على الدعم من يستحقه، وأنه بذلك يساهم في الحفاظ على المال العام من أن يهدر، بل أن يذهب لتحقيق مجتمع الرفاه، ولكن عبر تقنين يساهم في رفع كفاءة الانفاق الحكومي من جهة، ورفع كفاءة توزيع الثروة من جهة.

فليس منطقيا اعتبار أن من له حق أن يتقدم للاستفادة من «حساب المواطن» هو المعوز، فحساب المواطن لم يُهندس ليكون كذلك، بل قام حساب المواطن في الأساس على أنه سيتوسع في تقديم الدعم «كليا أو جزئيا» لأربعة أخماس الأسر السعودية، معتبرا أن الشريحة الوحيدة غير المستحقة للدعم هي شريحة الأثرياء، أما الأخماس الأربعة الأخرى فتستحق أن تحصل على نسبة تتناسب عكسا مع مستوى الدخل، وهذا يشمل بالضرورة شريحة واسعة من الموظفين وحملة الشهادات العليا من كل أطياف المجتمع، كما أن «حساب المواطن» لم يُهندس ليميز بين موظف حكومي وغير حكومي، بل أنه ارتكز على الأسرة السعودية كأساس، ومن ناحية ثانية فقد ضم تلقائيا المنضوين ضمن الضمان الاجتماعي.

هناك من ينتقد سياسات قائمة، فإن عُدلت تلك السياسات التي كان ينتقدها، عاد فانتقد السياسات الجديدة! فهناك من كان ينتقد الهدر، فعندما عُدلت سياسة «الدعم العام» إلى سياسة «الدعم الموجه»، أخذ ينتقد سياسة التغيير! من باب التوضيح، فقد كنت من المنادين بتوجيه الدعم لمستحقيه منذ سنوات طويلة، بما يتيح المجال لي للقول إن توجيه الدعم لمستحقيه أمر قد لا يروق للبعض وقد يعارضونه، فمن تضاعفت فاتورة كهرباء فيلته الكبيرة أو قصره لن يروق له بالطبع، ولكن عليه أن ينظر لوضعه المستجد، فإن كان لا يستطيع دفع فاتورة الكهرباء فليس الخطأ في تعديل سعر الكهرباء ليصبح اقتصاديا، بل الأقرب أن الخطأ أنه يسكن منزلا أكبر مما ينبغي أو ليس معزولا كما ينبغي! بمعنى أن عليه التأقلم مع الوضع الجديد بأسرع وقت ممكن عوضا عن التحسر على الأيام الماضية عندما كانت المكيفات تصدح ليل نهار والماء المحلى المتدفق والمتسرب. والنقطة هنا أنه إن كان التوجه هو رفع كفاءة الانفاق، فعلينا جميعا ممارسته، وليس أن نُطالب بتطبيقه ويستثني الشخص منا نفسه!

ويبدو أننا أمام أمرين متداخلين، الأول توجيه الدعم لمستحقيه، ففي ذلك الحد من هدر المال العام، وهذا أمر لن يختلف على أهميته اثنان، أما الأمر الآخر فهو: ما المعيار «أو المعايير» الذي يحدد من يستحق الدعم النقدي؟ فيما يتعلق بالأمر الأول «توجيه الدعم لمستحقيه» فهو أقل صعوبة. أما الأمر الثاني «ما المعيار الذي يحدد من يستحق الدعم النقدي؟»، فأظنهُ الأكثر تعقيدا، إذ يتطلب التمييز بين ثلاثة خطوط تماس، خط الفقر، وخط الكفاف، وخط البحبوحة. بما يدفع لافتراض أن الأسر التي يقع دخلها - إن كان لها دخل مستقر - بين خطي الفقر والكفاف تستحق دعما كاملا، فيما تستحق الأسر التي يقع دخلها بين خطي الكفاف والبحبوحة دعما جزئيا متفاوتا. وباعتبار أن هذه «الخطوط» تتفاوت حدودها من بلدٍ لآخر، لاعتبارات ميدانية واجتماعية - اقتصادية عديدة مما يعني أهمية تحديدها، بل ولا بد من ذكر أنها خطوط غير ثابتة تتحرك تبعا لضغوط التضخم من جهة، وللتحولات الاجتماعية - في المدى الأبعد - من ناحية ثانية.

ودائما، لا بد من تذكر أن العلة الأساس من تقديم الدعم، هي محاصرة الفقر من جهة، ومن جهة أخرى تحسين مستوى معيشة الأسر السعودية في كل جنبات الوطن بوتيرة متصاعدة عاما بعد عام. وبذلك بوسعنا العودة ثانية للأخماس الخمسة للقول، إن الفئة الأولى هي الفقيرة وتستحق دعما كاملا، ويضاف عليه هامش للنثريات كذلك، أما الفئة الثانية فهي للطبقة العاملة وهذه في إجماليها تستحق دعما يتراوح بين الكامل والجزئي المرتفع تبعا لمستوى الدخل وعدد أفراد الأسرة ومدى توفر الخدمات حيثما تسكن الأسرة، أما الفئة الثالثة فهي الطبقة المتوسطة من المهنيين ورجال الأعمال فهؤلاء يفترض أنهم ليسوا بحاجة لدعم، لكن لم يخل الأمر أن قسما من هذه الفئة ستحتاج دعما جزئيا، أما فئة كبار الملاك والأثرياء فلن يحتاجوا دعما.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى