آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

ثقافة القفز

محمد أحمد التاروتي *

ممارسة القفز في الرياضة، ميزة محمودة، ومطلوبة للحفاظ، على اللياقة البدنية، والرشاقة، فالالعاب الرياضية، تحتاج الى قدرة كبيرة، على القفز لتفادي العراقيل، والاصصدام المباشر، بيد ان هناك صنوفا رياضية، تقتصر على القفز مثل الزانة، وغيرها من الالعاب المختلفة.

في المقابل، فان القفز ليس محمودا على الدوام، فهناك مواقف ومحطات، تتطلب التوقف عنها، وعدم تجاوزها، باعتبارها نقاطا اساسية، لحفظ التوازن، سواء على الصعيد الاجتماعي، او الثقافي، حيث تعتبر عملية القفز، بمثابة الهروب للامام، وتسهم في تضخيم الامور، عوضا من تحجيمها، فالعملية بحاجة الى قرار حاسم، وصارم، لمواجهة المشكلة في البداية، فالتغاضي يضر في الغالب، بخلاف التعاطي بمسؤولية مع الازمة، وبالتالي، فان القفز امر سلبي، اكثر منه ايجابي.

المواجهة المباشرة، تقضي على مختلف المخاوف، المصاحبة للمشكلة، فضلا عن القدرة، على ايجاد الحلول المناسبة، خصوصا وان المواجهة، تكشف العيوب، مما يساعد على تحديد الثغرات، وبالتالي القدرة على دراسة كافة الاحتمالات، التي تقود في نهاية المطاف، الى وضع الامور في نصابها، بما يؤدي الى ”سد“ الفجوة، بالطريقة المناسبة ”إذا هبت أمرا فقع فيه، فإن شدة توقيه أعظم مما تخاف منه“.

البيئة الاجتماعية السائدة، والثقافة المسؤولية المنتشرة، عوامل اساسية، في طرد ”القفز“، على المشاكل الاجتماعية، حيث تلعب البيئة الاجتماعية، دورا اساسيا في بروز عناصر، تتحمل مسؤولية المواجهة المباشرة، والسعي الجاد لتسليط الضوء عليها، بغرض ايجاد الارضية اللازمة، للقضاء عليها، فالنوايا الصادقة ليست قادرة، على خلق الظرف المناسب، لتحريك الملفات، باتجاه الحل المناسب، حيث تمثل النوايا عاملا محفزا للتحرك، ولكنها بحاجة على حركة واعية، وقدرة كبيرة، على استيعاب المشكلة في البداية، وامتصاصها كمرحلة اولية، قبل الذهاب الى الحل، عبر ايجاد الشبكات المختلفة، خصوصا وان المشاكل الاجتماعية، والثقافية، تتطلب جهودا مشتركة، لرسم خارطة طريق، قادرة على اضاءة الدرب، باتجاه الحل السليم.

محاولة التداري خلف المشكلة، والتحرك باتجاه القفز عليها، لا يمثل حلا على الاطلاق، بقدر ما يعطي انطباعات سلبية، فالمرء قادر على ابتكار الحلول المناسبة، لمختلف المشاكل سواء الاجتماعية، او الثقافية، ”الحاجة ام الاختراع“، فالكثير من المشاكل الكبيرة، التي عاشتها الامم في مختلف العصور، وجدت طريقها للحل، جراء وجود الارادة القوية، للتعاطي بشفافية، وعزيمة راسخة، على اغلاق ملفاتها بشكل نهائي.

الحالة السلبية، في التعامل مع الازمات الاجتماعية، او الثقافية، تولد بيئة طاردة للحلول المناسبة، حيث تلعب ثقافة اللامبالاة، دورا في ترك الملفات، تتفاقم بشكل كبير، مما يجعل عملية السيطرة عليها، غاية في الصعوبة، مع مرور الزمن، فالامور في الغالب، تبدأ صغيرة، وتتضخم شيئا فشيئا، بحيث تصبح واقعا قائما، يصعب اقتلاعه من البيئة الاجتماعية، فالسكوت على المشاكل، لا يقضي عليها، كما تتصور بعض الفئات الاجتماعية، اذ يمكن ان تبقى، لفترة تحت الرماد، ولكنها سرعان ما تظهر، لتحرق الاخضر واليابس.

كاتب صحفي