آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

ثقافة الصوت

محمد أحمد التاروتي *

يمارس البعض سياسة الصوت العالي، لاحتكار الساحة الاجتماعية، او المنصات الثقافية، حيث تتعدد الاليات المستخدمة، في رفع نبرات الصوت، باختلاف البيئة، والظرف المكاني، فمرة تكون عبر امتلاك المنابر الخطابية، لاسكات الاصوات الاخرى، وتارة بواسطة ادوات العنف، اذ يمثل اخراس الاصوات المنافسة، الهدف الاسمي، مما يتطلب تنويع الاساليب، وفقا للمرحلة الزمانية والمكانية.

اختطاف الاصوات، بيد شريحة صغيرة، او نخبة ثقافية، امر خطير، على المسيرة الاجتماعية، اذ يمكن ان تخلف اثارا سلبية، جراء تسرب افكار مسمومة، على البيئة الثقافية السائدة، حيث تحاول هذه الشريحة، تقديم نفسها كمنقذ، من الافكار الضالة الراسخة، في المجتمع، مما يدفعها لمحاولة، وضع خط محدد، تدفع النخب الثقافية المختلفة، على السير فيه، الامر الذي يترك تشوهات، فكرية واضحة، في منظومة الثقافة المجتمعية، مما يدخل الجميع في نفق مظلم، يصعب الخروج منه، جراء الافخاخ الكثيرة نصب فيه، ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ.

تلجأ صاحبة الاصوات المرتفعة، في بعض الاوقات، لانتهاج العنف، كطريقة لممارسة الارهاب، تجاه البيئة الاجتماعية، حيث تحاول ادخال الجميع، في مشروعها الفكري او الثقافي، دون النظر للعواقب المترتبة، فهذه الشريحة ليست قادرة على النظر بعيدا، بحيث تتجاوز الحيز الذي تحتله، مما يدفعها للتعاطي، مع الواقع المرحلي كاستراتيجية ثابتة، الامر الذي يتمثل، في تخريب العلاقات الاجتماعية، عبر ادخال النخب، في مشاريع فكرية ”لا انزل بها من سلطان“، مما ينتج عن تقدم المسيرة، كوادر لا تمتلك القدرة، على انارة الطريق، بقدر ما تسهم في تخريب البيئة الصالحة، بافكار مشوهة وغير ناضجة.

الصوت المرتفع قادر، على الوصول للطرف الاخر، بيد انه ليس قادرا على الاستمرار، على الوتيرة نفسها، اذ سيبدأ الطرف المقابل بالنفور، والاشمئزاز، من تكرار الاصوات ذاتها، نظرا للطبيعة البشرية المجبولة، على التنوع وعدم التمسك، باسلوب واحد، فالبشر في التعاطي مع الثقافة، والاراء الفكرية، على غرار الفراشات، التي تمتص الرحيق، من مختلف انواع الازهار، الامر الذي يميز البشر، عن غيرهم من المخلوقات، اذ يمثل التمازج الثقافي والفكري، احد السجايا البشرية.

مصادرة الاصوات الاخرى، ارهاب فكري غير مقبول، على الاطلاق، فالنخب الثقافية التي تمارس هذه النوعية، من الافعال تمهد الطريق، امام رفضها من المجتمع، اذ يمكن ان تنطلي مثل هذه الممارسات، على شريحة اجتماعية، او تكون مقبولة، في فترة زمنية معينة، بيد ان الزمن قادر، على كشف عورات تلك النخب، وتعريتها تماما امام الرأي العام، مما يفرض عليها مراجعة شاملة، لمنظومتها الفكرية، لمواكبة المستجدات على الارض.

الرهان الخاطئ، يمثل احد العوامل، لمحاولة اختطاف اصوات المجتمع، فالبعض يضع بيضه في سلة واحدة، باعتبارها الطريقة المثلى، لاحداث حالة تنويرية شاملة، بيد ان السلة بما تحمل تقع على الارض، مما يعني الخسارة الشاملة، والكبيرة، وبالتالي، فان عملية اختطاف الاصوات، ليست سوى مدارة للفشل الذريع، الذي يعيشه جراء فقدانه، جميع خياراته، على الارض، بمعنى اخر، فان الصوت المرتفع، ليس مصدرا لقوة الحجة، وصوابية التوجهات، بقدر ما يمثل احساسا داخليا، بالوصول الى طريق مسدود.

كاتب صحفي