عام من «كيف أصبح دافوراً؟».. فماذا تعلّمت؟
في يوم 28 يناير 2016، استلمت من مطابع المطوع في الدمام الدفعة الأولى من كتاب «كيف أصبح دافوراً؟» وكانت 200 كتاب. وها قد مر عام على صدور «كيف أصبح دافوراً؟»، وبهذه المناسبة أحببت أن أشاركك خمسة دروس تعلمتها في رحلة إصدار ونشر الكتاب، تلك الرحلة المتعبة والشيقة في الوقت ذاته. لا أظن أن تأليف كتاب يعادل أهمية اختراع علاج للسرطان على كل حال، ولكنني مقتنع أن كل تجربة مهما كانت محدودة، فإن فيها دروساً، وأظن أن الدروس التالية مفيدة لكل من يريد أن يخوض تجربة مشروع شخصي طويل المدى:
رغم أنني أحب عملي كموظف، أعترف أنني لطالما شعرت بعدم الرضا التام عن أدائي. ليس لتقصير مني، ولا لقصور في الشركة التي أعمل بها، ولكن الوظيفة - بطبيعة الحال - تتسم غالباً بالمحدودية. فأنت مطلوب منك عمل محدد تقوم بتنفيذه لتستحق عليه أجراً في نهاية الشهر. لطالما شعرت أن الوظيفة غير كافية، وأن لدى كل منا طاقة كامنة يجب عليه أن ينقّب عنها ويستثمرها. ولأنني كنت أهوى التواصل وتعليم الآخرين، أحببت أن أخوض تجربة التأليف خارج أسوار الوظيفة. فكان الأمر ممتعاً بشكل رائع جداً! لذلك أنصح كل من لديه ميول في جانبٍ معين أن يعير ميوله بعض الاهتمام.
منذ بداية الرحلة، حددت هدفاً وهو ”نشر رسالة الكتاب ببيع 10 آلاف كتاب قبل نهاية 2016“. لم أكتفِ بذلك، بل كتبت الهدف على لوحة في مكتبي لأذكّر نفسي به كل يوم. هذا الهدف لم يكن سهلاً أبداً، فمعظم الكتب لا تتجاوز مبيعاتها هذا الرقم، حتى بعد أعوام من صدورها. ومع ذلك قررت أن أصل إليه في أقل من سنة. وهذا ما تم ولله الحمد، وكان لتحديد الهدف أثر كبير في استمرار الحافز والعمل. لذلك، إذا أردت أن تفعل شيئا مميزاً، عليك أن تحدد هدفك وتجعله واضحاً أمامك دائماً، إلى أن يستحوذ على تفكيرك ويكون همك الأول. مهم أيضاً أن يكون هدفك سامياً. صحيح أن المبيعات الكبيرة مفرحة، ولكن الأهم من ذلك هو تبليغ رسالة الكتاب بحيث تنفع القرّاء. ولعل أجمل المحطات في رحلة التأليف كانت لحظة استلام رسالة من قارئ يقول: ”كتابك ساعدني في رفع مستواي الدراسي“.
الكثير من المؤلفين يفهم عملية التأليف بشكل خاطئ. ما إن يصدر كتابه، حتى تراه ينتظر من الكون أن يكافئه، وأن يُقبل الناس زرافات على شراء كتابه. ثم إذا لم ينجح كتابه، يقوم بلوم ”القارئ العربي“ الذي يفضل ”السخافات“ على ”الأعمال الجيدة“! لا يا سيدي.. كتابك في النهاية سلعة، عليك أن تهتم «أنت» في أدق تفاصيله من حبكة وتشويق وفائدة وإخراج وإعلان وتسويق. لن يحك جلدك مثل ظفرك. طوال تجربتي مع الكتاب، قلت لنفسي: ”إذا لم ينجح الكتاب، فأنا المسؤول عن فشله. وبيدي أنا - بإذن الله - أن أجعله ناجحاً.“
إذا أردت أن تنجز شيئاً مميزاً في حياتك، فإن هذا الشيء - غالباً - يحتاج إلى وقت طويل، ويحتوي على صعاب كثيرة. لذلك فإن الصبر شرط رئيسي. كمؤلف، كان علي أن أصبر على مراحل الكتاب كلها. صبرت على مرحلة الكتابة التي امتدت ثمانية أشهر. ثم انتظرت مراجعة الكتاب لغوياً، وتعليقات القرّاء «مثل الأستاذ أحمد الشقيري»، وتصميم الكتاب الذي مرّ ب17 مراجعة، ثم الطباعة، ثم الفسح القانوني، ثم انتظار موافقة المكتبات الكبيرة على بيعه، ثم شحنه، والتسويق له.. إلخ. هذا بالإضافة إلى الصبر على النكبات العديدة والمكلفة جداً. على سبيل المثال، سافرت مرة بالطائرة إلى مدينة أخرى لإحياء حفل لتوقيع الكتاب، ورغم التكاليف الباهظة، لم يتم بيع إلا 16 نسخة في ذلك الحفل! لذلك يا صديقي.. إذا أردت أن تنقل الشيء الذي تهتم به من مستوى «الهواية» إلى «الاحتراف» فإن عليك أن تقوم بأكثر من مجرد زيارات مزاجية لذلك الاهتمام. مثلاً، إن كنت تهوى الرسم، وأردت أن تصبح محترفاً به، فإن عليك أن تكثف الجهود وتصبر على ألم التعلم والمحاولة والخطأ.. والمصاريف!
بأمانة، يعود الفضل في نجاح الكتاب - بعد توفيق الله - للدعم الكبير الذي وجدته من المحبين، من أهل وأصدقاء. كلماتهم، دعواتهم، فرحتهم، تشجيعهم، تعليقهم، وحتى نقدهم البناء. ما أروعهم وما أشد أثرهم في نفسي. هنا أريد أن أشير إلى نقطة مهمة. لم يكن الكثير من أهلي وأصدقائي ليدعموني لو لم أبادر بإخبارهم بتفاصيل عملي وآخر أخبار الكتاب. الكثير من الناس يخفي الأخبار السارة عن الآخرين خوفاً من الحسد والعين أو أن يتم اتهامه بالغرور. قناعتي هي: ”طالما أنك تخبر أناس يحبونك، فلا مشكلة أبداً في مشاركتهم الأخبار الجيدة.“ وكان أثر دعم المحبين عظيماً جداً، خصوصاً في مواجهة الأصوات السلبية التي لطالما آلمتني نفثاتها السامة. حاولت أن أنسى بعض التعليقات المؤلمة جداً، ولكن لم أستطع. ولكن بفضل الدعم الكبير الذي وجدته من المحبين تمكنت من مواصلة المسير.. فشكرا من القلب.
ختاماً.. مر عام على «كيف أصبح دافوراً».. كانت رحلة مفيدة وممتعة لي.. وأرجو أن أكون قد أفدتك في هذه الكلمات بشيء مما تعلمته فيها.
أتمنى لك التوفيق.. وأسألك الدعاء.