أريد وظيفة «أُبهة»!
مع بداية برنامج التحول الاقتصادي، بدأت شركات تتخفف من موظفيها، وليس معروفا كم عدد من سُرّح من السعوديين، ومن غادر من الوافدين، إذ لا تصدر إحصاءات رسمية تُبين تلك الأرقام. ومع ذلك، ظَهر منا من هم قلقون على استقدام العمالة أكثر من رغبتهم في إحلال أبنائهم، وهذا أمر عجيب.
علينا التمعن في أن أحد الأهداف الأساسية للرؤية 2030 خفض معدل البطالة بين السعوديين إلى 7% من 11.6%، لكن مع نهاية العام 2016 أخذ معدل البطالة اتجاهاً تصاعدياً إلى 12.1%! لجم البطالة ليس عسيراً عند تعاضد سياستي «الاستقدام» و«الاحلال»، بحيث تصبح سياسة «الاستقدام» تابعة لسياسة «الاحلال». لكن ذلك ليس كافيا، إذ علينا - نحن كمجتمع - أن نزرع في عقول أبنائنا مفاهيم واقعية عن العمل؛ فهو قيمة وليس فقط مجرد راتب وبرستيج!
قد تجد من شبابنا من لا يريد أن يعمل، وهناك من يشترط العمل في وظيفة «ميري» تكسبه مهابة وسلطة والقليل من الضغوط ودوام ليس فيه إجهاد. وبالمقابل، هناك من يريد أن يعمل في أي وظيفة تدرّ راتباً لمساعدة أسرته ولتغطية مصاريفه. وهناك المخاطر، الذي لا يمانع في أن يغامر بالعمل لحسابه، متطلعا لإنشاء عمله الخاص عسى أن يجني منه دخلا يتعاظم كل يوم ليصبح نجاحا ماليا واجتماعيا مدويا.
كيف تعرف من أي الفئات أنت؟ ابحث في ذاتك؛ هل أنت ممن ولد ليصبح موظفيا ينتظر؛ ينتظر الراتب آخر الشهر وينتظر ساعة بداية الدوام وساعة انقضائه؟ أم أنك ممن يريد أن يغامر بتأسيس باب رزق؟
ورغم أهمية العمل إلا أننا لا ندفع أبناءنا اليافعين إليه، وحتى إن دفعناهم فذلك لن يكون بحد ذاته كافيا، إذ لا بد من تأهيل الشاب أو الفتاة قبل أن يكون بوسعه أو بوسعها معرفة هدفه من حياته العملية بوعي وفطنة. بل يبدو أننا لا نعرض فكرة العمل والإنتاج وإضافة القيمة على صغارنا بإصرار متواصل، وإن عرضناها فنعرضها ممجوجة مشوهة، فمثلاً نحن نتحدث فيما بيننا ونحدث أبناءنا وبناتنا عن أهمية الاعتماد على النفس والابتعاد على الاتكالية، وفي ذات الوقت نجد أن البيوت تعج بالخدم، فلا يتحرج طفل صغير أن ينادي العاملة المنزلية لتجلب له كأس ماء من المطبخ أو علبة المناديل على بعد أمتار قليلة! ولا يحرص الكثيرون على الدفع بأبنائهم للعمل في العطل المدرسية، بل المؤسف أن من الآباء والأمهات من يُعارض تلك الفكرة معارضة تامة بقوله: لسنا بحاجة للكم ريال، أو: لن يعمل ولدي عند أو تحت فلان! وما إلى ذلك من تبريرات مشبعة بالأنفة الفارغة. وهي أنفة فارغة كونها نسفت كل ما يمثله العمل من قيمة واستقلالية وسعي للاعتماد على الذات وابتغاء النفع للمجتمع.
وعلى الرغم من إقرارنا أن العمل ليس أجرا فقط، لكن يبدو أن هناك شريحة لا بأس بها من المجتمع تقرن العمل بالأجر ولا تأبه بأي شيء آخر، رغم أن ذلك لا يمكن أن يكون صحيحاً. أعود لأقول، إنه ونتيجة لتأخرنا في دفع أبنائنا للعمل مبكرا ولعرضِنا المشوه نجد أن عدداً منهم أصبح يعتقد - مخطئاً - أن هناك أعمالا محترمة وأخرى ممتهنة لا تليق به، وأنه لكي يحظى باحترام المجتمع عليه أن يحصل على وظيفة «محترمة». والخطورة هنا أنه يتعلم ازدراء أناس لم يرتكبوا أي جرم أو فرية سوى أنهم امتهنوا أعمالاً مشروعة يحتاجها المجتمع! لذا، ينشأ مُفضلاً المكوث عاطلاً يأخذ مصروفه من والديه رغم بلوغه من العمر عتياً بانتظار الوظيفة «المحترمة»، فنكون بذلك نحن من زرعنا في ذهن الابن أن ليس الجوهر هو ما يَنفع بل إن الأهم هو «الهالة» و«برستيج» الوظيفة وما تولده من انطباع «مهيب» في أعين المجتمع، ونكون بذلك - في الوقت ذاته - قد تناسينا أن ما سيوصله للنجاح هو ما يجيده وما يستطيع الشاب الالتزام به وتنفيذه وليس فقط الطموح الحالم وعُقدّ «الأنفة والعظمة».
كثير منا لا يدرك أنه يزرع آفة في عقل ابنه، فيقضي بقية حياته ليس باحثاً عن عمل بل عن عمل «أبهة» باعتبار أنه «أرفع» من الآخرين ليس بسبب ما ينتج هو بل بسبب ما ينتجون هم!