ثقافة التباين
الاختلاف سنة طبيعية بين البشر، اذ من الصعوبة بمكان، توحيد المواقف ضمن نسق واحد، نظرا لتباين المستويات الفكرية والاختلافات الاجتماعية، وبالتالي فان الاختلاف بمثابة مبدأ صحي، حيث يقود للتكامل، والبناء السليم بشكل تدريجي، خصوصا وان الحرية الفكرية، التي يتمتع بها البشر، تسهم في ابداء الاراء، في مختلف القضايا الفكرية، والحياتية، ”اختلاف امتى رحمة“.
عملية تأطير الاختلافات الفكرية، امر بالغ الاهمية، فخروج التباين عن الاطار الاخلاقي، يسهم في احداث نزاعات، تأتي على الاخضر واليابس، وبالتالي فان وضع القواعد المؤسسة، لمبدأ الاختلاف امر بالغ الاهمية، اذ سيعرف كل طرف الخطوط الحمراء، والمساحات التي يتحرك من خلالها، الامر الذي يحول دون خروج الامور، عن السيطرة، وتحول المواقف الى حروب طاحنة، بحيث لا تقتصر على المحيط الضيق، بل تتسع لتشمل شرائح مختلفة.
الدفاع عن الاسس الفكرية، امر ضروري، باعتباره - الدفاع - طريقة لنشر تلك المرتكزات، ”تكلموا تعرفوا فان المرء مخبوء تحت لسانه“، فالمرء الذي لا يمتلك القدرة، على شرح افكاره، في المحيط الاجتماعي، او الوسط الثقافي، سينجرف في التيارات المضادة، بينما سيكون سدا منيعا، امام الافكار المضادة، في حال امتلك الادوات اللازمة، لمقارعة الاطراف الاخرى، بيد ان عملية الدفاع، عن المعتقدات الفكرية، تتطلب اختيار الاسلوب المناسب، فهناك اساليب متعددة، تختلف باختلاف الظروف، والبيئات الاجتماعية، فالطريقة المستخدمة، في فترة زمنية، يصعب تطبيقها في زمن اخر، نظرا لاختلاف التفكير، وكذلك تباين الثقافات السائدة، فضلا عن اختلاف العقول المستقبلة.
اتخاذ منهج العنف وتسفيه الطرف الاخر، يسهم في احداث حالة من النفور والابتعاد، ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾، فاستخدام القوة سواء عبر استغلال سلطة القانون او السلطة الاجتماعية لا يخدم بقدر ما يسهم في خلق حالة من العداء والابتعاد، بمعنى اخر، فان استخدام اسلوب الاقناع والنقاش الهادئ القائم على الحجة الدامغة يمثل وسيلة ناجحة في استقطاب الطرف المقابل ﴿فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى﴾، وبالتالي فان الحوار الهادئ المعتمد على مبدأ احترام الطرف الاخر، يشكل قاعدة اساسية لوضع النقاط على الحروف، ﴿قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله﴾.
البعض يتخندق وراء متاريس السلطة الاجتماعية، او الاستناد خلف السلطة السياسية، لفرض ارادته على الطرف الاخر، بحيث يتخذ العداء الصارخ، سبيلا ووسيلة للتعبير، عن ارائه الفكرية، فيما يحرم الطرف الاخر، من استخدام الادوات، والقنوات اللازمة، للتعبير عن ارائه، الامر الذي يفقد الحوار ابرز مقوماته، وهو اعطاء المساحة المتساوية، لبيان صوابية اراء الفكرية التي يعتنقها، حيث يمثل القمع الفكري، وسيلة لاسكات الطرف الاخر، مما يوحي بمدى الخشية، من قدرة اراء الاطراف المنافسة، على نسف جميع الافكار، التي يبشر بها الطرف، المدعوم من السلطة الاجتماعية، فارتفاع الصوت ليس دليلا على القوة، بقدر ما يعطي انطباعات، بخشية حقيقية من الطرف المقابل.