الهوى «1 - 2»
كلما سمعت فيروز تغرد لسعيد عقل:
الهوى لحظ شآمية
رق حتى خلته نفدا
أرفع صوتي سائلا: ما هذا «الهوى» هذا السهم الذي بيد أعمى يرشق به من تضحك له الصدفة من العابرين، كطفل يلهو، حسب الأسطورة الرائعة؟ ويستبد بي العجب حتى النشوة الفارعة حين أقرأ هذا النص ل «نقولاي أو ستروفسكي» «1904 - 1936م».
«قالت قطعة الجليد - وقد مسها أول شعاع من أشعة الشمس -: أنا أحب. أنا أذوب.. وليس بالامكان أن أحب وأوجد معا، فإنه لا بد من الاختيار بين أمرين؛ وجود بدون حب. وذلك هو الشتاء القارس الفظيع.. أو موت بدون وجود، وذلك هو الموت في مطلع الربيع..».
وأعود أسأل: ما علاقة الهوى بهذا الذي يسمونه: القلب؟ وبذاك الذي يسمونه الشعر، ويسميه الشاعر الماغوط: «الجنة الخالدة» والأغرب: ما علاقته بالموت؟ هل لأنه معادل للحياة؟
وما لي كلما قرأت قول ابن حزم: «الحب - أعزك الله أوله هزل وآخره جد. دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة «...» وقد اختلف الناس في ماهيته وقالوا وأطالوا، والذي أذهب إليه: أنه اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة، في أصل عنصرها» الرفيع.
مالي كلما قرأت هذا لابن حزم تذكرت الأسطورة التي تقول باختصار يذهب عنها نصف روعتها: «في بدء الخليقة كان البشر، كل واحد منهم ذكر وأنثى معا «..» إلا أن غرورهم اشتد إلى درجة الجرأة على الالهة، فقرر الإله الأكبر «زيوس» عقابا لهم أن يشطر كل واحد منهم إلى جزءين. وقد قام بهذه المهمة الجراحية «أبولون» وهكذا أصبح كل نصف يحن إلى نصفه الثاني. وبالتزاوج يتحقق الرجوع إلى الطبيعة الأولى».
سأترك ذكر ما عددوه من مراتب الحب: من الهوى حتى المرتبة الثالثة عشرة، وهي الهيام. وسأتجاهل أقسامه، الطبيعي، والصوفي، والأفلاطوني هو القسم الذي سأقف عليه، ونسميه في ثقافتنا: الحب العذري. وسأسأل: هل هو موجود حقا؟
بتنا ضجيعين في ثوبي هوى وتقى
يلفنا الشوق من قرن إلى قدم
هل يمكن أن يكون من قال هذا شاعرا عذريا في نظرك؟ أنا أشك شكا قمريا بإمكان هذا. أما العلامة الفاضل الشيخ علي الطنطاوي فيرى أن قائله، وهو الشريف الرضي، «سيد الشعراء العذريين في العصور العربية كلها، ويذكر من «حجازياته»:
عندي رسائل شوق لست أذكرها
لولا الرقيب لقد بلغتها فاك
هامت بك العين لم تتبع سواك هوى
من علم العين أن القلب يهواك.. الخ».