آخر تحديث: 9 / 5 / 2024م - 1:51 م

ما الذي يبتغيه العرب من الرئيس ترمب

يوسف مكي * صحيفة الوطن

نأمل أن تشهد الأيام القادمة من عهد ترمب حقبة تقارب أميركية جديدة مع منطقتنا، وأن يسهم ذلك في إطفاء الحرائق وعودة الأمن والاستقرار للبلدان العربية، وأن يقرب الفلسطينيين من حلمهم في الدولة المستقلة

الجمعة الماضية، الموافق 20 يناير 2017، أدى دونالد ترمب اليمين القانونية في مبنى الكابيتول في احتفال كبير. وبذلك أصبح الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأميركية. وبخلاف آخر رئيس جورج بوش، الجمهوري الذي ترأس بلاده لدورتين رئاسيتين، جرت انتخابات ترمب بشكل سلس، ولم يشك أي من الفرقاء أو المراقبين في نزاهتها، رغم اللغط الشديد، وعلامات الاستفهام الكبيرة، التي وجهت حول برنامجه الانتخابي، خلال تنافسه مع السيدة هيلاري كلينتون.

وكان خطاب الرئيس أثناء أدائه اليمين القانونية، والاحتفال بتتويجه، قد جاء مختلفا بشكل كبير، عن خطابات نظرائه من الرؤساء الأميركيين السابقين. فمن جهة حمل الخطاب نبرة هجوم على المؤسسات الأميركية، التي وصفها بالسعي للاستئثار بالمكاسب، وعدم الالتفات لمصلحة الشعب الأميركي.

أعلن أن عهده هو بداية عهد يتسلم فيه الشعب الأميركي السلطة بنفسه، من غير واسطة المؤسسات الأميركية المعتادة. وأكد أنه سيكون رئيسا لكل الأميركيين، بغض النظر عن ألوانهم وأعراقهم ومواقعهم في السلم الاجتماعي. وأوضح أن ولاءه الأول والأخير هو لأميركا وحدها دون غيرها. وأن سياسته في السنوات الأربع القادمة ستكون تتويجا لهذا التوجه.

حوى الخطاب نبرة انعزالية، حيث أشار إلى أن مهمته هي الدفاع عن حدود بلاده، وليس عن حدود الآخرين. وكان قد أشار أثناء حملته الانتخابية إلى أن حلف الناتو بات من الماضي. وقد وجد المراقبون في هذه التصريحات إشارة واضحة إلى نوع جديد من العلاقة الأميركية مع أوروبا.

لكنه من جهة أخرى، وعد بأن تستعيد أميركا هيبتها وقوتها، كقائدة للعالم أجمع. وقد تساءل كثير من السياسيين، كيف يستقيم وعد الرئيس ترامب، للأميركيين بأن يركز فقط على بناء أميركا من الداخل، ولا يهتم بالدفاع عن حلفاء أميركا، مع قيادة أميركا للعالم، بما يفرضه ذلك من سياسات دولية نشطة، تتناقض مع سياسة الانكفاء على الذات.

بالتأكيد من حق الأميركيين، أن يختاروا النهج الذي يناسبهم، وليس لأحد حق التدخل في شؤونهم الداخلية. وقد قال الأميركيون كلمتهم في انتخابات حرة نزيهة، كسبها ترمب، رغم اللغط الشديد الذي ساد طريقة أدائه أثناء الحملة الانتخابية، ورغم تشكيك الكثير في برنامجه الرئاسي. ويقر الجميع أن المنافسة كانت حادة وشرسة، أمام شخصية تمتلك الكاريزما والخبرة السياسية، هي السيدة كلينتون... لكنه رغم كل ذلك بات في النهاية رئيسا للولايات المتحدة.

ما يهمنا في هذه القراءة السياسة التي سيعتمدها ترمب تجاه الخارج، وتحديدا تجاه منطقتنا وقضايانا المصيرية. وبالنسبة لنا طبيعة العلاقة التي ستربطنا ببلاده خلال رئاسته. ذلك أن العلاقة التي تربط بين السعودية وأميركا، التي توصف دائما بالاستراتيجية، لم تكن دائما عسلا.

فقد شهدت هذه العلاقة رياحا وعواصف، وافتراقا حادا في المواقف، وبشكل خاص فيما يتعلق بالموقف من القضية الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وفي محطات هذا الصراع، وقفت الإدارات المتعاقبة للولايات المتحدة باستمرار، ضد الحق الفلسطيني، ووقفنا نحن مع الأشقاء الفلسطينيين، نساند قضيتهم العادلة، ونقدم لهم مختلف أشكال الدعم.

وفي حالات المواجهة واحتدام الصراع مع الصهاينة، كما في حرب يونيو عام 1967، وحرب أكتوبر عام 1973، بلغ الخلاف حد التهديد بالقطيعة السياسية، ومنع تصدير النفط، وهو أمر تحقق بنسب متفاوتة أثناء حروب عديدة فرضت على العرب مع الكيان الصهيوني، دفاعا عن أرضهم وكرامتهم واستقلالهم.

واقع الحال أن العلاقة مع أميركا قد شابها كثير من الشك، منذ حوادث 11 سبتمبر عام 2001، حيث وجهت اتهامات أميركية عديدة لبلادنا بدعم المتطرفين، بذريعة أن عددا من الذين نفذوا الهجمات الانتحارية هم من أبناء المملكة. وبدأنا نلحظ تدخلا في شؤون بلادنا الداخلية، تحت ذريعة الحرب على الإرهاب تارة، والدفاع عن حقوق الإنسان تارة أخرى. وقد بلغ التصعيد ضد بلادنا قمته بصدور مشروع جاستا.

نبتغي من إدارة ترمب طي صفحة الماضي، وفتح صفحة جديدة من العلاقات مع المملكة ودول الخليج والبلدان العربية، قائمة على الندية والمساواة والتكافؤ وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. وفي هذا السياق ينبغي التأكيد على أن العلاقة الاستراتيجية التي شيدت بين المملكة وأميركا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لم يكن المستفيد منها طرف واحد فقط. لقد كانت علاقة مبنية على الاعتراف بثنائية المصالح، والأمل أن تسهم هذه العلاقة في الحفاظ على الأمن والسلم الدولي، وأن تكون في سياق مبادئ الأمم المتحدة وحق الأمم في تقرير المصير.

نبتغي من الرئيس الجديد، أن يفي بوعده في مكافحة الإرهاب، الآفة التي حصدت مئات الآلاف من أبناء الأمة العربية والعالم الإسلامي، وكنا ولا نزال الأكثر تضررا من هذه الآفة. نتطلع أيضا إلى أن تلغي إدارة ترامب قانون جاستا، لأنه قانون جائر، ويشكل إسفينا في العلاقة التاريخية بين بلادنا وبلاده. وأن نركز على نقاط التقاطع في السياستين السعودية والأميركية، وهي كثيرة، بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين.

وأخيرا، نتطلع بصدق أن يتخلى ترمب عن وعوده بنقل السفارة الأميركية للقدس الشريف، نظرا لما يمثله ذلك من تحد صارخ للقانون الدولي ولمبادئ وقرارات الأمم المتحدة، وبشكل خاص القرار رقم 2334 الذي يرفض بناء المستوطنات الصهيونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأيضا بسبب المكانة المقدسة للقدس، وقوة حضورها في الوجدان الديني الإسلامي والمسيحي.

نأمل أن تشهد الأيام القادمة من عهد الرئيس ترمب حقبة تقارب أميركية جديدة مع منطقتنا، وأن يسهم ذلك في إطفاء الحرائق وعودة الأمن والاستقرار للبلدان العربية، وأن يقرب الفلسطينيين من حلمهم في الدولة المستقلة، اتساقا مع مبادئ الشرعية الدولية الكافلة للاستقلال وحق تقرير المصير