آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

كُن مصدر سعادتك

عبدالله الحجي *

معظم الذين سألتهم عن انطباعهم عن التقاعد المبكر، كانت الإجابة ايجابية ببدء حياة جديدة وشعور بالسعادة والحرية. إلا أن أحد الزملاء فاجأني قبل أيام بشعوره بالملل والكآبة بسبب الفراغ الكبير الذي يعيشه بعد أن كان يقضي معظم ساعات اليوم مستمتعا بعمله.

حينها تذكرت كلام رئيسي - الذي كان حريصا على بقائي - في اللقاء الذي جمعنا ليثنيني عن قرار التقاعد المبكر واستشهد بأن الشركة تعكف على علاج عدد من الذين أصيبوا بالكآبة بعد تقاعدهم. فطمأنته بأن قراري كان عن قناعة تامة وأنني بمشيئة الله تعالى لن أكون في مصافهم، ولدي ما يكفي لملء وقت فراغي والاستمتاع بما بقي من حياتي خارج أسوار العمل. فما كان منه إلا التسليم بالأمر، والمفاجأة أن خطاب تقاعده كان في الأثر بعد شهر واحد فقط من تقاعدي.

إن من يربط ويقيد ويرهن سعادته بشيء أو شخص معين فإنه سيتيه في عالم الأحزان والملل والكآبة بمجرد فقدان ذلك الشيء أو الشخص، ولا يفتأ عن تكرار الكلمات - التي تجعله يعيش في بيئة سلبية - أمثال «طفش... زهق.. ملل» التي تبرمج عليها عقله الباطن. البعض من الموظفين يكون تعلقه بالعمل بشكل غير طبيعي ويجد فيه مصدر سعادته الرئيس بكل إنجاز يحققه متجاهلا الأهداف والأدوار الأخرى التي تجلب له السعادة في حياته. بل أنه من شدة تعلقه وشغفه يقضي ساعات إضافية على وقت الدوام المحدد بطوعه واختياره، ويعمل في إجازة نهاية الأسبوع، وأيام إجازته السنوية في حله وترحاله، وأضعف الإيمان متابعة البريد الإليكتروني من شدة اهتمامه وتعلقه. فمن كان هذا ديدنه وحب العمل قد آسر قلبه، فالتقاعد مأساة له، وإن أقدم عليه كان الله في عونه لأنه يحتاج للوقت والجهد للتكيف مع الحياة الجديدة وإتقان التحكم في وقته وإدارته.

وكذلك الحال بمن يعلق سعادته بشخص معين كصديق أو زميل أو زوج أو زوجة عندما يكون معه يشعر بالراحة والسعادة وما أن يغيب عنه يخيم عليه الحزن والكآبة ويصاب بالإحباط واليأس. الإنسان اجتماعي بطبعه ويأنس بوجود الآخرين وتكوين العلاقات التي تضيف له شيئا من السعادة، ولكن من الخلل أن ترتبط سعادته كلها بشخص معين له ميوله وتوجهاته وأهدافه المختلفة التي قد لا تمكنه من تلبية الوقت الذي يتوقعه منه. يقول الدكتور جاسم المطوع: ”إننا في كثير من الأحيان نتوقع أن الناس يعطونا السعادة، آو هم سبب حزننا بينما لو تأملنا أكثر لوجدنا أن ذواتنا هي سبب سعادتنا وحزننا وليس الناس“.

لتكون أنت مصدر سعاتك، فأنت بحاجة لتحمل المسؤولية، والتحكم في مشاعرك، والتحرر من التعلق المفرط بالأشياء والأشخاص من حولك، وأن تراعي التوازن والتنوع في أهدافك وأدوارك في هذه الحياة، وتحسن إدارة وتنظيم الوقت. لا تنتظر طويلا وتتأخر حتى تفقد ما أنت متعلق به الآن، وتنظر إليه بأنه مصدر سعادتك الرئيس، بل بادر من اليوم بتنمية مهاراتك وهواياتك وتعلم ما هو جديد لكي تشغل به وقت فراغك وتسعد بكل إنجاز تحققه. استمتع بوقتك مع عائلتك، ووسع دائرتك من الأحبة والأصدقاء، تعلم حرفة جديدة أو لغة جديدة، مارس الرياضة، اتخذ من الكتاب صديقا لك لتزيد من ثقافتك وتوسع من أفقك وتتعلم من تجارب الآخرين فالكتاب كما قيل هو خير جليس، انخرط في الأعمال الخيرية والأنشطة الاجتماعية لتضفي عليك شيئا من السعادة بالعطاء وقضاء حوائج الآخرين، واستمتع بقمة السعادة الروحية والقرب من الله بما هو متوفر بين يديك من زاد الدنيا والآخرة.