آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

ثقافة التضحية

محمد أحمد التاروتي *

فرق شاسع بين التضحية والانتحار.. الاول يحمل في طياته الدفاع، عن المبادئ، من خلال تقديم الغالي، والنفيس، فالتضحية، تحمل اشكالا متعددة، وعناوين مختلفة، بيد انها تدور في فلك حماية المبادئ المقدسة، التي تمثل خطوطا حمراء لدى المرء، فيما يعتبر الثاني - الانتحار - عملية مرفوضة، ومحرمة شرعا، ﴿لا تلقوا بأيديكم الى التهلكة، حيث تختلف الاسباب، المؤدية للانتحار، بعضها مرتبط بعوامل مادية بحتة، والبعض الاخر ناجم عن امراض نفسية، والقسم الثالث مرتبط بعوامل الفشل، وغيرها من العوامل المختلفة.

الايمان بالمبادئ، وتمثل احد الاسباب، للإقدام بكل شجاعة، لاقتحام الصعاب، وتقديم النفس رخيصة، في سبيل اعلاء تلك المبادئ، اذ تمثل المعتقدات الدينية، ابرز العوامل القادرة، على شحن النفوس، بالطاقة اللازمة، لمواجهة الموت، بعزيمة راسخة، دون وجل او خوف، فالجانب الروحي يلعب دورا محورا، في تشكيل الرؤية للحياة، بحيث يضع معايير مختلفة تماما، بهدف حث المؤمن على عدم التثبت بالحياة، باعتبارها زائلة ”كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ“ و”ما الحياة الدنيا الامتاع الغرور“، مما ينعكس بصورة واضحة، على كيفية التعامل مع الحياة.

التضحية من المفردات الكبيرة، التي يصعب امتلاكها، لدى الجميع، فهناك نماذج قليلة قادرة، على ترجمة هذه المفردة، الى واقع عملي، ”عند الامتحان يكرم المرء او يهان“، بمعنى اخر، فان الكثير من العبارات الرنانة، التي يتشدق بها البعض، سرعان ما تتبخر، بمجرد المواجهة الحقيقية، فالإقدام عملية صعبة للغاية، خصوصا وان الحياة عزيزة على الانسان، مما يجعل عملية التضحية، من الخيارات الصعبة، التي يواجهها المرء على الدوام.

التناقض بين المبادئ، التي يبشر بها البعض، والترجمة العملية من الامور، التي تفضح اصحابها، فالبعض يجاهر بالاستعداد للتضحية، في سبيل الدفاع عن المبادئ، التي يبشر بها على الدوام، بينما سيكون اول من يضع رجله، للهرب اذا حمى الوطيس، ”انا في الحرب ما جربت نفسي، ولكن في الحروب كالغزال“، والتاريخ يحمل الكثير من النماذج، التي سقطت عند التجربة، وحملت العار على اصحابها، والجماعات التي تقودها، مما افقدها القدرة على التأثير، في المستقبل، جراء اكتشاف الاخرين زيف، وكذب تلك الادعاءات.

فيما يحمل التاريخ، نماذج صادقة، استطاعت التمسك بالمبادئ، التي تحملها، من خلال تقديم النفس رخيصة، والقرآن يتحدث عن اصحاب الاخدود، الذين قدموا الانفس طواعية، على الانصياع، لإرادة السلطان، بالردة عن بالدين ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ، كما ينقل التاريخ الاسلامي، احد نماذج التضحية والفداء، ابان بدء الدعوة الاسلامية، في مكة المكرمة، حيث قدمت عائلة ال ياسر نفسها، قربانا لرفع راية الاسلام عالية، ”ياسر وزوجته سمية“، بخلاف مئات النماذج الاخرى، على مر التاريخ، سواء في القرون، التي سبقت بزوغ فجر الاسلام، او ابان الدعوة الاسلامية، فالتضحية تمثل وقودا، لا ينضب في نفوس الجماعات على اختلافها، خصوصا وان التضحية تمثل الشهادة، والتي تعتبر شرفا لا يناله سوى القلائل، في مختلف المجتمعات البشرية، ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ.

كاتب صحفي