عمدة الرميلة.. أباً حنونا ومربياً حكيما
غيب الموت يوم الأربعاء 2016/12/28م عمدة بلدة الرميلة بالأحساء الحاج محمد عبدالله الراشد في مسجد الصلاة وهو يؤدي فريضة الظهرين، وذلك عن عمر يناهز الثمانين عاما بعد رحلة طويلة من العطاء والكفاح. ودع هذه الحياة بعد أن قدم مسيرة الخير الطويلة حتىغدت ذكراه علامة بارزة في جبين كل من عرفه، رحل عن دنيانا بعد أن أصبح وإخوانه وأبناءه شخوصاً يُشار لهم بالبنان، ويُضرب بهم المثل في أعمال البر والجود والكرم.
”لقد خسرت الرميلة رجلا من خيرة رجالاتها ومكانته لم تعوض حقيقية. فقد كان حكيماً منصفاً لم يدخل في قضية إلا كان جزءا من الحل فيها ولم يكن جزءا من المشكلة“. بهذه الكلمات كتب أحدهم ناعياً الفقيد.
وقال آخر ”كان شمعة مضيئة في سماء الرميلة، فله مجهودات لا يمكن أن تنسى، فكل من عاشره خصوصاً فترة تسلمه عمودية البلدة يتذكر حرصه وتعبه وحسن تدبيره في إدارة المشاكل التي تعرض عليه، ولم نسمعه يوماً يذكر أي شخص بسوء، وكان يتعامل مع كل الناس بمحبة وطيبة“. انتهى
خلف سنوات الكفاح والعطاء الطويلة تنمو القدرات وتتطلع المواهب لأخذ دور في هذه الحياة المليئة والمتشعبة، والإنسان الذي ينشد النجاح وعلو الهمة يفتش دائما عما هو مستحيل للوصول للغايات المطلوبة، والراحل الذي نحن في صدد الإشارة إلى بعض الجوانب المضيئة من سيرته المباركة، تميز بعدة خصال مكنته من القدرة على التأثير في الآخرين، والوصول إلى درجات متقدمة في المحيط الذي يعيش فيه، فقد كان كاتما للسر مخلصا في عمله وحليما ومتواضعا مع الجميع، ويشكل عمله الرسمي في ذلك الوقت حلقة وصل بين الجهات الحكومية والمواطن، إلى حد جعلته هذه الخصال في موقع الطاعة والمحبة كنتيجة حتمية لقدرته التقليدية التأثيرية المستمدة من الإلمام بالقانون المتبع، والنظام المرتبط بطبيعة عمله الذي جعل الآخرين في موقع التسليم والرضا لحديثه وتوجيهاته.
ومما يميز الراحل فترة عموديته قدرته على التفاعل مع هموم المجتمع، وعلى حل مختلف القضايا التي تعرض عليه، ومتابعتها مع الجهات الحكومية المختصة، فقد كرس حياته العملية في تقريب وجهات النظر وإذابة الخلافات بين أبناء مجتمعه، وخلق البدائل الممكنة كتوافق بين المتخاصمين تارة، ورد الحقوق إلى أصحابها تارة أخرى، كما له بصمات كبيرة في دعم مبادرات العمل الاجتماعي وتكريم رواد الأنشطة التطوعية، ومتابعة مختلف الأمور المتعلقة بخدمات الماء والكهرباء وسفلتة الطرق بالمنطقة.
اليوم ونحن ننعاه وكل من كان قريباً منه من أقرباء وأصدقاء نشعر ببالغ الحزن والأسى لرحيله، فقد عرفناه وعرفه الآخرون بطلاقة الوجه وهدوء النفس، ولكن ما لم يعرفه الكثير عنه أنه رحل وخلف أجمل المواقف والذكريات، رحل وبقيت مواقفه وصوره حاضرة في الخيال، فقدنا فيها البسمة والطيبة والحنان، وهي وإن كانت تختزل سنوات طويلة من الجهد والعطاء، لكنها ستبقى خالدة مدى الزمن، وستبقى مجالس الإحياء والذكر، وأيامه الحلوة ولياليه الجميلة منقوشة في النفوس.
بعكازه الجميل الذي يتكئ عليه كل حين، وهو يتخطى به زقاق البيوت آخذاً طريقه إلى وجهته، وهو يتمتم بكلمات الدعاء التي لا تفارق محياه، ومسباح الصلاة يتدلى بين يديه، وجدناه يعطي للطفل نصيبا من وقته، وجانبا كبيرا من اهتماماته، ونظرات الرأفة والرحمة التي يداعب وينصح بها لم تفارق محياه، برغم كل ما يحيط بوضعه الاجتماعي والصحي، لم تثنيه كل الاهتمامات الأخرى عن إغفال هذا الجانب التربوي والأبوي.
ختم حياته وعمره المديد بين ثنايا الصلاة وهو يؤدي فريضة الظهرين بالمسجد، وهذا لعمري شغف اللقاء برب العباد الذي أختار له هذا القدوم وهو المواظب على أداء صلاته مع المصلين في الصفوف الأولى يومياً.