ثقافة الحقد
تمثل الخلافات الشخصية، او الفكرية احدى الاسباب المؤدية، لتعاظم الاحقاد في القلوب، فالبعض لا يمتلك القدرة، على فصل الخلافات الشخصية، عن الاختلافات الاخرى، مما يؤدي الى القطيعة التامة، واطلاق الحروب الكلامية، بين الاطراف المتنازعة، بحيث تتراكم تلك الخلافات، لتصل الى الحقد المتبادل.
الحقد في الغالب، يبدأ صغيرا ويتنامى، بشكل تدريجي في النفوس، خصوصا في حال رفضت جميع الاطراف، المساعي الحميدة لتقليص الهوة، واعادة الوئام مجددا، اذ يحاول كل طرف التمسك بموقفه الرافض، باعتباره صاحب الحق المطلق، مما يقطع الطريق امام المحاولات، للالتقاء عند منتصف الطريق، باعتبارها الوسيلة المثلى، لمنع التفسيرات المتعددة ”الغالب والمغلوب“.
امتلاء النفوس بالاحقاد، ظاهرة اجتماعية سلبية، حيث تشكل خطورة كبرى، على التماسك الداخلي، الامر الذي يفسر مشروعية ”الكذب“، في الاصلاح بين الناس، ”كذب الرجل يمشي بين الرجلين ليصلح بينهما“، مما يدلل على خطورة هذا السلوك الاجتماعي، فالتنافر في المجتمع الواحد، يخلق مشاكل عديدة، ”إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصوم“ و”لئن أصلح بين اثنين أحب إلي من أن أتصدق بدينارين“، الامر الذي يكشف الاهتمام الكبير، بازالة الرواسب المتراكمة في النفوس، والتحرك الجاد لتصفية القلوب، لفتح صفحة جديدة، وبدأ مرحلة جديدة بعيدة عن الحقد الاسود.
الخلافات الشخصية، تولد شروخا عديدة، في جدار المجتمع الواحد، الامر الذي يساعد في التفكك، والضعف وعدم القدرة على الوقوف، امام الاخطار الخارجية، مما يفسر اعتماد ”الاعداء“، على مبدأ ”فرق سد“ باعتبارها احد الوسائل للتغلغل، في الكيان الاجتماعي بسهولة ويسر.
الاحقاد الناجمة عن الاختلافات الفكرية، تقود الى انقسام اجتماعي، وتشكيل شرائح متعددة، بحيث تحاول كل فئة، تسفيه المنافس، باعتباره لا يمتلك من الحق شيئا، اذ تعمل كل جماعة على حشد الامكانيات، والقدرات الكلامية والمالية، لتوجيه الضربات القاضية، للجماعات المضادة، فالاحقاد القائمة بين مختلف الاطراف، تتجاوز في الغالب الخطوط الحمراء، الامر الذي يفسر، تجاوز بعض النزاعات الفكرية، ادنى المعايير الاخلاقية، حيث تحفل وسائل الاعلام المختلفة، بالصراعات بين التيارات الفكرية المتنافسة، مما يؤدي الى شحن النفوس بالبغضاء والكراهية، الامر الذي يساهم في اتساع الشرخ، في جدار المشتركات، بين مختلف الاطراف.
تشكل الاحقاد الفكرية، خطورة كبيرة، على المجتمعات البشرية، نظرا لقدرتها على التحشيد، وقلب الحقائق رأسا على عقب، بحيث يصبح الحق باطلا، والباطل حقا، ”صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي إِذَا صَلُحَا صَلُحَتِ الأُمَّةُ وَإِذَا فَسَدَا فَسَدَتِ الأُمَّةُ: السُّلْطَانُ وَالْعُلَمَاءُ“، اذ يمثل هؤلاء مراكز القوى في المجتمع، نظرا لما يمتلكه كل طرف من ثقل كبير، وبالتالي فان دخول المثقف في نزاعات فكرية، يشكل خطورة على المجتمع الواحد، اذ سيحاول كل طرف ايجاد المبررات، والمسوغات، لاشعال هذه الحروب الفكرية، مما يدخل الجميع في اتون مشكلة، يصعب الخروج منها بخسائر قليلة، خصوصا وان النزاعات الفكرية، لا تقل خطورة عن الصراعات العسكرية، التي تنشب بين الامم لاسباب مختلفة.