أبو مفلح في الصين
يُحكى أن سعودياً يدعى أبو مفلح عمل مديراً عاماً لإحدى شركات الصين في مدينة شنغهاي، وقيل إن وطنيته كانت عالية بحيث لا يستطيع أن يرفض طلب أي سعودي يريد العمل في هذه الشركة الصينية، ولذلك أحبه جميع السعوديين تقديراً منهم للجهد الذي يبذله لأجلهم، وعلى الرغم من أن هناك كثيراً من المواطنين الصينيين الذين يبحثون عن عمل في بلادهم وربما حالتهم المعيشية مزرية جدا، وعلى الرغم كذلك من وجود كم هائل من الكفاءات المهنية العالية التي أسهمت في توفيرها البعثات التعليمية لأفضل جامعات العالم إلا أنَّ أبو مفلح بوطنيته العالية وهيامه ببلد الآباء والأجداد أدرك أن مساعدة إخوانه السعوديين أولى من مساعدة سين شين هونج وإخوانه؛ لذا أصبحت هذه الشركة الصينية تتحدث «عربي»، وأصبح العيال يأتون كل صباح بالتمر والقهوة ويخرجون بين الحين والآخر إلى بر شنغهاي للتخييم والقنص، ومع أنَّ وزارة العمل الصينية لديها نظام توطين وظائف للصينيين ولكن أبو مفلح كان أذكى منهم فقام بتوظيف «صنونة وهمية»، وبذلك استطاع أن يخدع وزارة العمل ويُبقي على إخوانه السعوديين.
بقي السعوديون سعداء جدا بإدارة أبو مفلح للشركة، ويشعرون دائما بالأمان الوظيفي والاستقرار، كل ذلك لإدراكهم أن استمراره يعني استمرارهم في الشركة، وكلما اتصل أحد الموظفين السعوديين بأمه «قماشة» أو خالته «نورة» طلب منها الدعاء في بطن الغيب للعم الطيب أبو مفلح بدوام التوفيق والسداد، وهو الذي رمى الصينيين في الشوارع، ووظف في بلدهم إخوانه السعوديين انطلاقا من وطنيته العالية، ولكن بقيت هناك غصة كلما تذكرها أبو مفلح وإخوانه السعوديون كلما شعروا بالخوف، كانوا يخافون أن يأتي اليوم الذي تلغى فيه المادة 77 من نظام العمل التي تجيز الفصل غير المشروع واستغلها أبو مفلح أفضل استغلال في فصل الصينيين وإحلال السعوديين عوضاً عنهم، كما كان يخشى فرض صنونة الوظائف العليا في الشركات؛ لأنه يعلم أن الصيني ستدفعه وطنيته لاستبدال السعوديين وغيرهم من الأجانب بصينيين، وهذا ما لا يتمناه أبو مفلح، وأخيرا وليس آخرا فإن أبو مفلح كان يخشى من فرض نظام يمنع استقدام الأجانب ونقل كفالتهم إليه وتجديد عقودهم في حال وُجد صيني قادر على أداء عملهم، ومع أنَّ كل تلك الكوابيس المزعجة أسباب منطقية للخوف والترقب إلاَّ أنَّ أبو مفلح فوَّض أمره إلى الله سبحانه وتعالى، وبقي يطرد عن ذهنه هذه الكوابيس، ويتفاءل دائما بالخير، مكرراً بين الحين والآخر لإخوانه السعوديين: «تفاءلوا بالخير تجدوه».
أبو مفلح هو مواطن صالح دفعته وطنيته للعمل بكل جد لأجل إخوانه السعوديين في الصين، وهو بذلك يشكل علامة فارقة ينبغي جدا الاحتذاء بها، أما المواطنون الصينيون فهم يعيشون على أمل صناعة قانون يحميهم من أبو مفلح وأشكاله الذين استحوذوا على خيرات بلدهم والفرص الوظيفية فيه، التي يرون أنهم أولى بها من غيرهم، ويرون في كل سعودي وغيره من الأجانب أشخاصاً مستحوذين على قوت عوائل صينية هي في أمسّ الحاجة لتلك الوظائف وذلك الدخل.