حجر الفلاسفة
يعني «حجر الفلاسفة» ذلك الخيال الجامح من احلام اليقظة، الذي يصاب به الفلاسفة والشعراء، فيحيلهم الى قراصنة، يتطلعون الى صيده، ولكنه يفلت منهم، لطبيعته العنقاوية، انه ذلك الحجر الذي اذا مس الفلزات الرخيصة احالها الى ذهب، وكأنه يحمل في جوفه «محنة فيداس» بل ان الخيال شطح ببعضهم، فتصور انه يعيد الشباب.
ينسب تصور هذا الحجر، وتربة نشأته الى الاسكندرية، واذا كان هذا صحيحا، وانه لم يكن صيني النشأة، فالاسكندرية اذن تكون مهد حجرين: حجر حقيقي هو «حجر رشيد» الذي وجد في رشيد، وهي قرية تقع على مصب النيل، لا تبعد عن الاسكندرية سوى بضعة كيلومترات وقد زرت متحفها، وحجر خيالي هو حجر الفلاسفة.
هذا الحجر الخيالي حاول جابر بن حيان «101 - 194 هـ » ان يجعله حقيقة، بريادته علم الكيمياء، فهو: «ابوالكيمياء»، هكذا كناه فرنسيس بيكون «1561 - 1626م» الذي قال فيه: «ان جابر بن حيان هو اول من علم علم الكيمياء للعالم فهو أبو الكيمياء»، كما لقبه ابن خلدون بأنه «امام المدونين، حتى انهم يخصونها «الكيمياء» باسمه فيسمونها علم جابر، وله فيها سبعون رسالة» وقد ترجمت كتبه الى اللاتينية، وأثرت، طوال القرون الوسطى، في الساحة الفكرية الثقافية.
أعتقد أن جميع الفئات لها احجارها، فالفلاسفة لهم حجر آخر هو «الحقيقة»، فكل فيلسوف تراه راكضا يبحث عن الحقيقة في الوجود، وفي الاشياء من حوله، ومنذ ان طرحت الفلسفة سؤال الوجود على نفسها، وكل فيلسوف يطرح اسئلة عصره عن حقيقة الحياة، فترى الفلاسفة جميعا في سباق: من يصل اليها اولا، وسيبقون في هذا السباق لأن الطريق يطول، حسب تعبير المتنبي.
اسئلة كل عصر تختلف بالضرورة عن العصور الاخرى، فالسؤال عن الانسان، منفصلا عن التصورات الميتافيزيقية، لم يكن مطروحا في الماضي. طرح منذ عصر التنوير. وراحت هذه الحقوق تزداد كما وكيفا، وستبقى تزداد بنبض المجهول من حقوق الانسان.
كما اعتقد ان فئة الشعراء، لكل منهم حجره المراد، فمنذ حجر امرئ القيس، الذي هو فرسه او جواده الى حجر المتنبي:
أصخرة انا ما لي لا تحركني
هذي المدام ولا هذي الاغاريد
الى حجر احمد الملا:
«حجر/ منغرس في القلب/ وكل ما اخشاه/ وحشة حفرته/ لو نزعته» ما هذا يا احمد!! كيف جعلت النقيضين يلتقيان؟
أما المبدع علي الدميني فهو:
«وأرى بعيدا خلف باب الحزن
موسيقى
وانهارا من الياقوت حبلى بانهمار الوقت»
الياقوت سيد الاحجار الكريمة، علي لم يكتف بحجر واحد، بل بنهر.